وأما الثاني: فلأنه إن لم يكن له شاهد في محل آخر، أو كان له معارض، صار من جملة الدعاوى التي تدعى على القرآن. والدعوى المجردة غير مقبولة باتفاق العلماء. وبهذين الشرطين يتبين صحة ما تقدم إنه الباطن، لأنهما موفران فيه، بخلاف ما فسر به الباطنية، فإنه ليس من علم الباطن، كما أنه ليس من علم الظاهر، فقد قالوا في قوله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل: ١٦] أنه الإمام ورث النبيّ علمه، وقالوا في الجنابة: إن معناها مبادرة المستجيب بإفشاء السر قبل أن ينال رتبة الاستحقاق. ومعنى الغسل تجديد العهد على من فعل ذلك. ومعنى الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى متابعة الإمام. والتيمم الأخذ من المأذون إلى أن يشاهد الداعي أو الإمام. والصيام الإمساك عن كشف السر.
والطواف سبعا هو الطواف بمحمد عليه السلام إلى تمام الأئمة السبعة.
والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام. ونار إبراهيم هو غضب نمروذ لا النار الحقيقية. وذبح إسحاق هو أخذ العهد عليه. وعصا موسى حجته التي تلقفت شبه السحرة. وانفلاق البحر افتراق علم موسى عليه السلام فيهم. والبحر هو العالم. وتظليل الغمام نصب موسى الإمام لإرشادهم. والمنّ علم نزل من السماء.
والسلوى داع من الدعاة. والجراد والقمل والضفادع سؤالات موسى وإلزاماته التي تسلطت عليهم. وتسبيح الجبال رجال شداد في الدين. والجن الذين ملكهم سليمان باطنية ذلك الزمان. والشياطين هم الظاهرية الذين كلفوا الأعمال الشاقة. إلى سائر ما نقل من خباطهم الذي هو عين الخبال، وضحكة السامع. نعوذ بالله من الخذلان.
قال القتبي: وكان بعض أهل الأدب يقول: ما أشبه تفسير الروافض للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر. فإنه قال ذات يوم: ما سمعت بأكذب من بني تميم. زعموا أن قول القائل:
بيت، زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
أنه في رجل منهم. قيل له: فما تقول أنت فيه. قال: البيت بيت الله، وزرارة الحج. قيل: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء. قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس. قيل: فنهشل؟ قال: أشده. وصمت ساعة ثم قال: نعم نهشل مصباح الكعبة لأنه طويل أسود فذلك نهشل. انتهى ما حكاه.