للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاتل وأولياءه. وربما لم يرضوا بقتل القاتل، بل يقتلون كثيرا من أصحاب القاتل. -

كسيّد القبيلة ومقدّم الطائفة-. فيكون القاتل قد اعتدى في الابتداء، ويعتدي هؤلاء في الاستيفاء. كما كان يفعله أهل الجاهلية، وكما يفعله أهل الجاهلية الخارجون عن الشريعة في هذه الأوقات من الأعراب والحاضرة وغيرهم. وقد يستعظمون قتل القاتل لكونه عظيما، أشرف من المقتول. فيفضي ذلك إلى أنّ أولياء المقتول يقتلون من قدروا عليه من أولياء القاتل. وربما حالف هؤلاء قوما واستعانوا بهم. وهؤلاء، قوما. فيفضي إلى الفتن والعداوة العظيمة. وسبب ذلك:

خروجهم عن سنن العدل الذي هو القصاص في القتلى. فكتب الله علينا (القصاص) وهو المساواة والمعادلة في القتل. وأخبر أنّ فيه (حياة) فإنه يحقن دم غير القاتل من أولياء الرجلين. وأيضا إذا علم من يريد القتل: أنه يقتل، كفّ عن القتل ... !

وقد روي عن عليّ بن أبي طالب «١» وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم. ألا لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده..! رواه أحمد وأبو داود

وغيرهما من أهل السنن. فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن المسلمين تتكافأ دماؤهم- أي تتساوى أو تتعادل- فلا يفضل عربي على عجميّ ولا قرشيّ أو هاشميّ على غيره من المسلمين. ولا حرّ أصليّ على مولى عتيق. ولا عالم أو أمير على أميّ أو مأمور.

وهذا متفق عليه بين المسلمين. بخلاف ما عليه أهل الجاهلية وحكام اليهود. فإنه كان يقرب مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم صنفان من اليهود: قريظة والنضير. وكانت النضير تفضل على قريظة في الدماء. فتحاكموا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذلك وفي حدّ الزاني. فإنهم كانوا قد غيّروه من الرجم إلى التحميم «٢» ، وقالوا: إن حكم بينكم بذلك كان لكم حجّة


(١)
أخرجه أبو داود في: الديات، ١١- باب إيقاد المسلم بالكافر؟، حديث ٤٥٣٠ ونصه: عن قيس ابن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليّ عليه السلام. فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا. إلا ما في كتابي هذا. قال فأخرج كتابا من جراب سيفه، فإذا فيه «المؤمنون تكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. ألا، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده. من أحدث حدثا فعلى نفسه. ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»
. (٢)
أخرجه مسلم في: الحدود، حديث ٢٨ ونصه: عن البراء بن عازب قال: مرّ على النبي صلّى الله عليه وسلّم بيهوديّ محمّما مجلودا. فدعاهم فقال: «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قالوا: نعم

<<  <  ج: ص:  >  >>