هذا وقد حليت طليعته بتمهيد خطير، في مصطلح التفسير. وهي قواعد فائقة، وفوائد شائقة، جعلتها مفتاحا لمغلق بابه، ومسلكا لتسهيل خوض عبابه، تعين المفسر على حقائقه، وتطلعه على بعض أسراره ودقائقه.
فدونك أيها الباحث عن مطالب أعلى العلوم، التائق لأسنى نتائج الفهوم، المتعطش إلى أحلى موارده، المنقب عن مصادر مقاصده، ينبوعا لمعاني الفرقان، وعقدا ضمّ درر التبيان، وقف بك من الطريق السابلة على الظهر، وخطب لك عرائس الحكم ثم وهب لك المهر، فقدّم قدم عزمك فإذا أنت بحول الله قد وصلت، وأقبل على ما قبلك منه فها أنت قد فزت بما حصلت. وفارق وهد التقليد راقيا إلى يفاع الاستبصار، وتسنّم أوج التحقيق في مطالع الأنظار. والبس التقوى شعارا، والاتّصاف بالإنصاف دثارا. واجعل طلب الحق لك نحلة، والاعتراف به لأهله ملة. ولا ترد مشرع العصبية، ولا تأنف من الإذعان إذا لاح وجه القضية، أنفة ذوي النفوس العصية. فذلك مرعى لسوّامها وبيل، وصدود عن سواء السبيل.
وكان شروعي في هذه النية الحميدة، بعد استخارته تعالى أياما عديدة في العشر الأول من شوال في الحول السادس عشر بعد الثلاثمائة وألف. نفعنا الله بما يجري منه على يدينا، ولا جعله حجة علينا، ونحن نستغفر الله مما تعاطيناه من الأمر العظيم، واقتحمناه من الخطر الجسيم، ونستعيذ به من الوقوع في حبائل العدوّ الرجيم، ونسأله توفيقا يقف بنا على جادة الاستقامة، ويصرفنا عن عمل ما يعقبه ملام أو ندامة، ونرجو من فضله تعالى حياة طيبة وعزما تنحط من دونه المصاعب، وعونا على إكمال هذا المأرب تبيضّ به وجوه المطالب. وهداية قدسية إلى الطريقة المثلى، وعناية لدنيّة نقوى بها على تأييد كلمة الحق الفضلى، فهو وليّ الأنعام، في البدء والختام.