الله إليه لفظ العصيان، ثم تاب عليه إنه هو التواب الرحيم. ومن ذلك أنه قال في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ... [آل عمران: ٩٦] الآية- باطن البيت قلب محمد صلى الله عليه وسلم، يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد، واقتدى بهدايته. وهذا التفسير يحتاج إلى بيان. فإن هذا المعنى لا تعرفه العرب. ولا فيه من جهتها وضع مجازيّ مناسب، ولا يلائمه مساق بحال، فكيف هذا؟ والعذر عنه أنه لم يقع فيه ما يدل على أنه تفسير للقرآن. فزال الإشكال إذا. وبقي النظر في هذه الدعوى. ولا بد، إن شاء الله، من بيانها.
ومنه قوله في تفسير قول الله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:
٥١] قال: رأس الطواغيت كلها النفس الأمارة بالسوء إذا خلا العبد معها للمعصية.
وهو أيضا من قبيل ما قبله. وإن فرض أنه تفسير فعلى ما مر في قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً.
وقال في قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ... [النساء: ٣٦] الآية- أما باطنها فهو القلب، والجار الجنب النفس الطبيعي، والصاحب بالجنب العقل المقتدي بعمل الشرع، وابن السبيل الجوارح المطيعة لله عز وجل، وهو من المواضع المشكلة في كلامه.
ولغيره مثل ذلك أيضا. وذلك أن الجاري على مفهوم كلام العرب في هذا الخطاب ما هو الظاهر من أن المراد بالجار ذي القربى وما ذكر معه ما يفهم منه ابتداء. وغير ذلك لا يعرفه العرب. لا من آمن منهم ولا من كفر. والدليل على ذلك أنه لم ينقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين تفسير للقرآن يماثله أو يقاربه، ولو كان عندهم معروفا لنقل، لأنهم كانوا أحرى بفهم ظاهر القرآن وباطنه باتفاق الأئمة، ولا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، ولا هم أعرف بالشريعة منهم. ولا، أيضا، ثمّ دليل يدل على صحة التفسير لا من مساق الآية، فإنه ينافيه، ولا من خارج، إذ لا دليل عليه كذلك. بل مثل هذا أقرب إلى ما ثبت رده ونفيه عن القرآن، من كلام الباطنية ومن أشبههم.
وقال في قوله: رْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
[النمل: ٤٤] الصرح نفس الطبع، والممرد الهوى. إذا كان غالبا ستر أنوار الهدى بالترك من الله تعالى العصمة لعبده.
وفي قوله: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل: ٥٢] أي قلوبهم عند