للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ولم ينزل مِنَ الْفَجْرِ وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبيّن له رؤيتهما، فأنزل الله بعده مِنَ الْفَجْرِ فعلموا إنما يعني الليل والنهار. ورويا أيضا «١» -

واللفظ لمسلم- عن عدّي بن حاتم قال: لما نزلت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ قال له عديّ: يا رسول الله! إنّي أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالا أبيض وعقالا أسود، أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن وسادك لعريض. إنما هو سواد الليل وبياض النهار..!.

قال ابن كثير: ومعنى قوله: إن وسادك لعريض أي: إن كان يسع تحته الخيطين المرادين من هذه الآية فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب..! وجاء في بعض هذه الألفاظ: إنك لعريض القفا. ففسّره بعضهم بالبلادة- وهو ضعيف- بل يرجع إلى هذا لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض، والله أعلم. انتهى.

وفي الإتيان بلفظ التفعّل في قوله تعالى حَتَّى يَتَبَيَّنَ ... إشعار بأنه لا يكفي إلّا التبيّن الواضح لا تباشير الضوء.

وقد روى مسلم «٢» عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يغرّنّكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا. وحكاه حماد بيديه، قال: يعني معترضا.

وفي لفظ آخر عنه: لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر- أو قال: - حتى ينفجر الفجر.

وروى الإمام أحمد «٣» عن قيس بن طلق عن أبيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ليس الفجر المستطيل في الأفق. ولكنه المعترض الأحمر.

ورواه الترمذيّ «٤» بلفظ: كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر

. قال: وفي الباب عن عديّ بن حاتم وأبي ذرّ وسمرة. ثم قال: حديث طلق بن عليّ حديث حسن غريب من هذا الوجه، والعمل على هذا- عند أهل العلم- أنّه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول أهل العلم.

انتهى.


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢- سورة البقرة، ٢٨- باب قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ... إلخ، حديث ٩٧٤.
وأخرجه مسلم في: الصيام، حديث ٦١.
(٢) أخرجه مسلم في: الصيام، حديث ٤١- ٤٣ (طبعتنا) .
(٣) أخرجه في المسند بالجزء الرابع، صفحة ٢٣ (طبعة الحلبيّ) .
(٤) أخرجه الترمذيّ في: الصوم، ١٥- باب ما جاء في بيان الفجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>