يومين فتح الكتاب فوجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة- بين مكة والطائف- فترصد بها عيرا لقريش، وتعلم لنا من أخبارهم، فقال: سمعا وطاعة! وأخبر أصحابه بذلك وبأنّه لا يستكرههم، فمن أحبّ الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فأمّا أنا فناهض! فنهضوا كلّهم. فلما كان في أثناء الطريق أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يتعقبانه. فتخلفا في طلبه. فبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرّت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة، فيها عمرو بن الحضرميّ، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة. فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب. لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على مقاتلتهم، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرميّ فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل فأعجزهم، ثم أقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد عزلوا من ذلك الخمس- وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام- فأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما فعلوه واشتد تعييب قريش وإنكارهم ذلك. وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا فقالوا: قد أحلّ محمد الشهر الحرام!، واشتد ذلك على المسلمين حتى أنزل الله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ.... الآية.
وقوله تعالى: قِتالٍ فِيهِ بدل من الشهر، بدل الاشتمال، لأنّ القتال يقع في الشهر.
وقال الكسائيّ: وهو مخفوض على التكرير. يريد أن التقدير: عن قتال فيه.
وهو معنى قول الفراء: مخفوض ب (عن) مضمرة. وهذا ضعيف جدا لأن حرف الجرّ لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار..! وقال أبو عبيدة: هو مجرور على الجوار.
وهو أبعد من قولهما، لأنّ الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ ولا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة. وفيه يجوز أن يكون نعتا ل (قتال) ، ويجوز أن يكون متعلقا به كما يتعلق ب (قاتل) .
وقد قرئ بالرفع في الشاذ، ووجهه على أن يكون خبر مبتدأ محذوف معه همزة الاستفهام تقديره: أجائز قتال فيه؟.
قُلْ في جوابهم قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ أي: أمر كبير مستنكر وقد كانت