للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء ولا يخرج كلّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعيّ ... وأيضا يضرّ من وجه آخر وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدا لمخالفته للطبيعة. وأيضا فإنه محلّ القذر والنّجو فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه. وأيضا فإنه يضرّ بالمرأة جدا، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة. وأيضا فإنه يحدث الهم والغم والنفرة عن الفاعل والمفعول. وأيضا فإنه يسوّد الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء، يعرفها من له أدنى فراسة. وأيضا فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بدّ. وأيضا فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فسادا لا يكاد يرجى بعده صلاح. إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح. وأيضا فإنه يذهب بالمحاسن منهما ويكسوهما ضدّهما. كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما بها تباغضا وتلاعنا.

وأيضا فإنه من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه فأيّ خير يرجوه بعد هذا؟ وأي شرّ يأمنه؟

وكيف حياة عبد قد حلّت عليه لعنه الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه ولم ينظر إليه؟.

أقول: أخذ هذا ابن القيم من أحاديث وردت في لعن فاعل ذلك، وعدم نظر الحقّ إليه بيد أنها ضعيفة «١» .

ثم قال ابن القيّم: وأيضا فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.

وأيضا فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئا من الحيوان بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب


(١)
أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ٢٩- باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهنّ، حديث ١٩٢٣ ونصه: عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها»
. في الزوائد: إسناده صحيح. لأن الحارث بن مخلد (أحد رجال السند) ذكره ابن حبان في الثقات.
وباقي رجال الإسناد ثقات. قال السنديّ: والحديث قد رواه أبو داود والترمذيّ بلفظ قريب من هذا. ورواه أيضا الدارميّ في سننه في: الوضوء، ١١٤- باب من أتى امرأته في دبرها
وأخرج الترمذيّ في جامعه في: التفسير، ٢- سورة البقرة، ٢٧- باب حدثنا عبد بن حميد، هذا الحديث ونصه: عن ابن عباس قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت قال «وما أهلكك؟» قال: حولت رحلي الليلة. قال فلم يرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا. قال فأوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
. أقبل وأدبر. واتق الدبر والحيضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>