للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذ يدلّ على أنه لا يكفي مجرد عقد التحليل الذي لا غرض للزوج والزوجة فيه سوى صورة العقد وإحلالها للأول بطريق الأولى. فإنه إذا كان عقد الرغبة المقصود للدوام غير كاف حتى يوجد فيه الوطء، فكيف يكفي عقد تيس مستعار ليحلها، لا رغبة له في إمساكها وإنما هو عارية كحمار الفرس المستعار للضراب؟.

وقال- عليه الرحمة- قبل ذلك: وأما نكاح المحلل،

ففي (الترمذي) «١» و (المسند) «٢» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «لعن الله المحلل والمحلل له»

، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي (المسند) «٣» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «لعن الله المحلل المحلل له» ، وإسناده حسن. وفيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وفي (سنن ابن ماجة) «٤» من حديث عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له»

. فهؤلاء الأربعة من سادات الصحابة رضي الله عنهم، وقد شهدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعنه أصحاب التحليل، وهم المحلل والمحلل له. وهذا: إمّا خبر عن الله فهو خبر صدق. وإمّا دعاء مستجاب قطعا. وهذا يفيد أنه من الكبائر الملعون فاعلها. ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ والقصد. فإنّ القصود في العقود عندهم معتبرة. والأعمال بالنيات.

والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم. والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني، فإذا ظهرت المعاني والمقاصد فلا عبرة بالألفاظ لأنها وسائل قد تحققت غاياتها فترتب عليها أحكامها.

وقد ساق ابن كثير الأحاديث الواردة في ذلك: منها ما قدمناه، ومنها ما رواه الحاكم في (مستدركه) : عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر. فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له. من غير مؤامرة منه، ليحلّها لأخيه: هل تحل للأول؟ فقال لا. إلّا نكاح رغبة. كنا نعدّ هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هذا


(١) أخرجه الترمذيّ في: النكاح، ٢٨- باب ما جاء في المحلل والمحلل له.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ١/ ٤٤٨.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٢٣. [.....]
(٤) أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ٣٣- باب المحلل والمحلل له، حديث ١٩٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>