أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ استشهاد على ما ذكر تعالى من ولايته للمؤمنين وتقرير له، معطوف على الموصول السابق. وإيثار (أو) الفارقة على (الواو) الجامعة للاحتراز عن توهم اتحاد المستشهد عليه من أول الأمر. والكاف إما اسمية جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر، وإما زائدة. والمعنى: أو لم تر إلى مثل الذي. أو إلى الذي مرّ على قرية. كيف هداه الله تعالى وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها خالية ساقطة حيطانها على سقوفها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها أي كيف يعمر الله هذه القرية بعد خرابها. فكان منه كالوقوع في الظلمات. فأراه الدليل على الإحياء الحقيقيّ في نفسه مبالغة في قلع الشبهة، إخراجا له منها إلى النور فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ليندرس بالكلية ثُمَّ بَعَثَهُ أي أحياه ببعث روحه إلى بدنه وبعض أجزائه إلى بعض بعد تفرقها قالَ الله له كَمْ لَبِثْتَ أي مكثت ميتا قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قاله بناء على التقريب والتخمين. أو استقصارا لمدة لبثه قالَ الله بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ وإنما سأله تعالى ليظهر له عجره عن الإحاطة بشئونه. وأن إحياءه ليس بعد مدة يسيرة، ربما يتوهم أنه هيّن في الجملة، بل بعد مدة طويلة. وينحسم به مادة استبعاده بالمرة. ويطلع في تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى. وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع، على ما كان عليه دهرا طويلا، من غير تغيّر مّا. كما قال سبحانه فَانْظُرْ لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ أي لم يتغيّر في هذه المدة المتطاولة مع تداعيه إلى الفساد.
والهاء يجوز أن تكون هاء سكت زيدت في الوقف. وأصل الفعل على هذا فيه وجهان: أحدهما يتسنن من قوله: حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الأخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت للجزم.
والثاني أن يكون أصل الألف واوا من قولهم: أسنى يسني إذا مضت عليه السنون.
وأصل سنة سنوة لقولهم: سنوات أي لم تمر عليه السنون. والمعنى على التشبيه.
أي كأنه لم تمر عليه المائة سنة لبقائه على حاله وعدم تغيره. ويجوز أن تكون الهاء أصلا ويكون اشتقاقه من السنة بناء على أن لام السنة هاء وأصلها سنهة. لقولهم سنهاء وعاملته مسانهة. فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا. إذ الفعل مجزوم بسكونها. وعلى الأول تثبت في الوقف دون الوصل. ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف. وقد قرأ حمزة والكسائي بحذف الهاء وصلا وإثباتها وقفا والباقون بإثباتها وصلا ووقفا. فإن قيل: ما فاعل يتسنى؟ قيل: يحتمل أن يكون ضمير الطعام