للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُسْعَها

. وبالجملة فهذا إجابة لهم في دعائهم في قولهم: غفرانك ربنا.

قال زين العابدين بير محمد دره في (المدحة الكبرى) : وعلى احتمال أن يكون قوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ.. إلخ حكاية، فهو من قبيل العطف بلا عاطف. أو الكلام على تقدير قالوا. قال بعضهم: ولك أن تجعل لا يُكَلِّفُ اللَّهُ ... إلخ في حيز القول. وأن يكون حكاية للأقوال المتفرقة غير المعطوفة بعضها على بعض للمؤمنين. يكون مدحا لهم بأنهم شاكرون لله تعالى في تكليفه. حيث يرونه بأنه لم يخرج عن وسعهم. وبأنهم يرون أن الله تعالى لا ينتفع بعملهم الخير، بل هو لهم.

ولا يتضرر بعملهم الشرّ، بل هو عليهم.

وقال البقاعيّ: وهذا الكلام من جملة دعائهم على وجه الثناء طلبا للوفاء بما أخبرهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم عنه سبحانه من ذلك، خوفا من أن يكلفوا بما لله تعالى أن يكلف به من المؤاخذة بالوساوس. لأنه مما تخفيه النفوس ولا طاقة على دفعه.

ولعل العدول عن الخطاب إلى الغيبة بذكر الإسم الأعظم من باب التملق بأن له من صفات العظمة ما يقتضي العفو عن ضعفهم. ومن صفات الحلم والرحمة ما يرفّه عنهم. ويحتمل أن يكون ذلك من قول الله تعالى جزاء لهم على قولهم: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، الآية. فأفادهم بذلك أنه لا يحاسبهم بحديث النفس. فانتفى ما شق عليهم من قوله: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ، الآية. بخلاف ما أفاد بني إسرائيل قولهم: سمعنا وعصينا، من الآصار في الدنيا والآخرة. فيكون حينئذ استئنافا جوابا لمن كأنه قال: هل أجاب دعاءهم. ويؤيد هذا الاحتمال اتباعه لحكم ما في الوسع على طريق الاستئناف أو الاستنتاج بقوله: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ قال العلامة أبو السعود: قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ إلخ. للترغيب في المحافظة على مواجب التكليف والتحذير عن الإخلال بها. ببيان أن تكليف كل نفس مع مقارنته لنعمة التخفيف والتيسير تتضمن مراعاته منفعة زائدة. وأنها تعود إليها لا إلى غيرها.

ويستتبع الإخلال به مضرة تحيق بها لا بغيرها. فإن اختصاص منفعة الفعل بفاعله من أقوى الدواعي إلى تحصيله. واقتصار مضرته عليه من أشد الزواجر عن مباشرته. أي لها ثواب ما كسبت من الخير الذي كلفت فعله. لا لغيرها. وعليها لا على غيرها عقاب ما اكتسبت من الشر الذي كلفت تركه. وإيراد الاكتساب في جانب الشر لما فيه من اعتمال ناشئ من اعتناء النفس بتحصيل الشر وسعيها في طلبه.

قال الحراليّ: وصيغة (فعل) مجردة، تعرب عن أدنى الكسب. فلذلك من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>