وأما المحكم فهو ما عدا المتشابه، وغالبه النص الجليّ، والظاهر الذي لم يعارض والمفهوم الصحيح الذي لم يعارض، والخاص والمقيد وإن عارضهما العام والمطلق. ويلحق بهذا فوائد:
الأولى- الصحيح في قوله تعالى وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ الوقف على الله، بدليل ذم مبتغي تأويل المتشابه في الآية. وهو اختيار الإمام يحيى في (الحاوي) واحتجّ بأن «أمّا» للتفصيل على بابها، والتقدير و «أما الراسخون» بدليل قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ كما تقول: أما زيد فعالم وعمرو جاهل، أي وأما عمرو فجاهل، يوضحه أن المخالف مسلّم أن هذا هو الظاهر منها، لكنه يقول: إنه يجب تأويلها على أن المراد ذمهم بابتغاء تأويله الباطل، فيقيد إطلاق الآية بغير حجة، ويجعلها من المتشابه، مع أنها الفارقة بين المحكم والمتشابه، وهذا خلف.
وقد روى الحاكم عن ابن عباس أنه قرأ «ويقول الراسخون» وقال: صحيح.
ورواه الزمخشريّ في كشافه قراءة عن أبيّ وغيره، ورواه الإمام أبو طالب في أماليه عن عليّ عليه السلام. ولم يتأوله ولم يطعن فيه، وهو في (النهج) أيضا، وهو نص لا يمكن تأويله، فإن لفظه عليه السلام: اعلم أيها السائل أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق، فيما لم يكلفهم البحث عنه، رسوخا.
فاقتصر على ذلك. انتهى بحروفه.
وأيضا فلا يجب علم جميع المكلفين بذلك عند الخصوم، إذ في المتكلفين الأميّ والعجميّ ونحوهم. وإذا كان علم البعض يكفي ويخرج الخطاب بذلك عن العبث، جاز أن يكون ذلك البعض هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ومن شاء الله من ملائكته وخواص عباده. والله سبحانه أعلم.
الفائدة الثانية- إذا تعارض العام والخاص، فالمحكم هو الخاص والبناء عليه واجب، وفيه الجمع بينهما، وفي العكس طرح الخاص مع رجحانه بالنصوصية. وهي قاعدة كبيرة فاحفظها. ولا خلاف فيها في الاعتقاد، لعدم القاعدة في التاريخ فيه، ولذلك أجمعوا على إثبات الخلة للمتقين، وتأويل نفي الخلة المطلق، فتأمل ذلك.