آلاف، ومما يؤيد هذا الوجه أن سياق بدر في الأنفال من قوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ... [الأنفال: ٧] ، الآيات شبيهة بهذا السياق هنا. كما يذوقه من تدبره.
الوجه الثاني: أن هذا الوعد كان يوم أحد، فإن القصة في سياق أحد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضا في أثنائها ليذكرهم بنعمته عليهم، لما نصرهم ببدر وهم أذلة، وإنه كذلك هو قادر على نصرهم في سائر المواطن. ثم عاد إلى قصة أحد، وأخبر عن قول رسوله لهم: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ ... الآية. ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف. فهذا من قول رسوله، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى، وهذا بخمسة آلاف. وإمداد بدر بألف، وهذا معلق على شرط، وذاك مطلق، والقصة في هذه السورة هي قصة أحد مستوفاة مطولة، وبدر ذكرت فيها اعتراضا. والقصة في الأنفال قصة بدر مستوفاة مطولة، فالسياق هنا غير السياق في الأنفال- أشار لذلك ابن القيّم في (زاد المعاد) .
وقد انتصر للوجه الأول العلامة أبو السعود، وبين ضعف الثاني بأوجه وجيهة.
فليرجع إليه.
ونقل الخازن عن ابن جرير أنه قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال:
إن الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ؟ فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددا لهم، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف، خمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا الله.
ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة آلاف ولا بالخمسة آلاف، ولا على أنهم لم يمدّوا بهم. وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم. وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك. ولا خبر عندنا صحّ من الوجه الذي يثبت أنهم أمدّوا بالثلاثة الآلاف. ولا بالخمسة الآلاف.
وغير جائز، أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم به الحجة. ولا خبر به كذلك، فنسلم لأحد الفريقين قوله.
غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة وذلك قوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: ٩] .