الثالثة: تعليق الميز بالخبيث المعبر به عن المنافق، مع أن المتبادر مما سبق من عدم ترك المؤمنين على الاختلاط تعليقه بهم وإفرازهم عن المنافقين، لما أن الميز الواقع بين الفريقين إنما هو بالتصرف في المنافقين وتغييرهم من حال إلى حال مغايرة للأولى، مع بقاء المؤمنين على ما كانوا عليه من أصل الإيمان، وإن ظهر مزيد إخلاصهم، لا بالتصرف فيهم، وتغييرهم من حال إلى حال أخرى، مع بقاء المنافقين على ما هم عليه من الاستتار، ولأن فيه مزيد تأكيد للوعيد كما أشير إليه في قوله تعالى وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة: ٢٢٠] .
الرابعة: إنما لم ينسب عدم الترك إليهم، لما أنه مشعر بالاعتناء بشأن من نسب إليه، فإن المتبادر منه عدم الترك على حالة غير ملائمة، كما يشهد به الذوق السليم.
الخامسة: التعرض للاجتباء في قوله يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ ... إلخ للإيذان بأن الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبية، لا يتأتى إلا ممن رشحه الله تعالى لمنصب جليل، تقاصرت عنه همم الأمم، واصطفاه على الجماهير لإرشادهم، وتعميم الاجتباء لسائر الرسل عليهم السلام للدلالة على أن شأنه عليه الصلاة والسلام في هذا الباب أمر متين، له أصل أصيل، جار على سنة الله تعالى المسلوكة فيما بين الرسل عليهم السلام.
السادسة: تعميم الأمر في قوله تعالى فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، لإيجاب الإيمان به بالطريق البرهانيّ، والإشعار بأن ذلك مستلزم للإيمان بالكل، لأنه مصدق لما بين يديه من الرسل، وهم شهداء بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم، والمأمور به الإيمان بكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام، فيدخل فيه تصديقه فيما أخبر به من أحوال المنافقين دخولا أوليّا.
هذا ما اقتبسناه من تفسير العلامة أبي السعود رحمه الله. وقد استقرب حمل هذه الآية الكريمة على أن تكون مسوقة لبيان الحكمة في إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم. فالمعنى: ما كان الله ليذر المخلصين على الاختلاط أبدا كما تركهم كذلك إلى الآن، لسر يقتضيه، بل يفرز عنهم المنافقين، ولذلك فعله يومئذ، حيث خلى الكفرة وشأنهم، فأبرز لهم صورة الغلبة، فأظهر من في قلوبهم مرض، ما فيها من الخبائث وافتضحوا على رؤوس الأشهاد.