للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أربع. ليكثر نسلهم، فيكثر عدد النابغين، الذين بهم وحدهم تتم الأعمال الكبيرة في هذه الدنيا. فهو من مكتشفات هذا الدين الاجتماعية. وقد جعل رضاهن بذلك شرطا له لئلا يكون فيه إجحاف بحقوقهن. والعاقلة من النساء تفضل أن تكون زوجة لنابغة من الرجال- وإن كان ذا زوجات أخر- على أن تكون زوجة لرجل أحمق، وإن اقتصر عليها. لأنها تعلم أن أولادها من الأول ينجبون أكثر منهم من الثاني. وأما غير النابغين منهم فإن الدين يمنعهم من نكاح أكثر من واحدة، لئلا يكثر نسلهم. قال الله تعالى في كتابه المبين يخاطب المؤمنين: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً الخطاب في هذه الآية لعموم الأمة. فهي تأذن لكل أحد من المسلمين أن يتزوج بأكثر من واحدة من النساء إلى أربع. إذا آنس من نفسه القدرة على العدل بينهن. وإلا وجب عليه الاقتصار على واحدة لئلا يجور عليهن. والقدرة على العدل بين أربع من النساء، متوقف على عقل كبير وسياسة في الإدارة وحكمة بالغة في المعاملة، لا تتأتى إلا لمن كان نابغة بين الرجال، ذا مكانة من العقل ترفعه على أقرانه. والرجل النابغة، إذا تزوج بأكثر من واحدة، كثر نسله فكثر النوابغ. والشعب الذي يكثر نوابغه أقدر على الغلبة في تنازع البقاء من سائر الشعوب. كما يدلنا عليه التاريخ. ثم خاطب الله، في مكان آخر، الخائفين أن لا يعدلوا بين النساء وهم غير النوابغ من المسلمين، بقوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ. فأمرهم في هذه الآية، التي هي في المعنى تتمة للأولى، أن لا يقترنوا بأكثر

من واحدة لأنهم في درجة من العقل هي دون درجة النابغين، لن يستطيعوا معها إتيان العدل بين النساء، المتوقف على عقل كبير يسهل لصاحبه أن يرضيهن جمعاء. كما يأتيه النابغون والدهاة من الناس. وحرم على هؤلاء، الذين لم يجوزوا المقدرة على العدل، التزوج بأكثر من واحدة. لئلا يقع الظلم من الرجال على النساء. وهو كثير الصدور من الأوساط ومن كان دونهم في سلم الارتقاء. ولئلا يكثر نسل غير النابغين. وهو الأهم. فتبقى الأمة في مكانها من الانحطاط. وقد تقدم أن الخطاب في قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ في الآية الأولى لعموم الأمة. غير أن الشرط بالعدل جعله خاصّا بالعادلين منهم. وهم النابغون الذين يقتدرون على إتيان العدل بين النساء لوفور عقلهم. والغاية من أمر هذا الصنف من المسلمين أن يتزوجوا بأكثر من واحدة إلى أربع، هو تكثير نسلهم ليستفيد من كثرة أمثالهم المجتمع، كما أسلفنا. ولكن النابغة لا يأتي نسله في الغالب نوابغ، بمجرد تعدد الزوجات. فإن الزوجة المتوسطة أو المنحطة يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>