للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية؟ وهذا صحيح صريح. قيل: هذا الحديث قد صحت روايته بلفظين: هذا أحدهما. والثاني الاقتصار على نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، هذه

رواية ابن عيينة عن الزهريّ. قال: قال قاسم بن أصبغ: قال سفيان بن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة. ذكره أبو عمر في (التمهيد)

ثم قال: على هذا أكثر الناس. انتهى، فتوهم بعض الرواة أن (يوم خيبر) ظرف لتحريمهن فرواه: حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر. فجاء بالغلط البيّن. فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد؟ وأين المتعة من تحريم الخمر؟ قيل: هذا الحديث رواه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه محتجا به على ابن عمه، عبد الله بن عباس في المسألتين. فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر.

فناظره عليّ بن أبي طالب في المسألتين وروى له التحريمين. وقيد تحريم الحمر زمن خيبر. وأطلق تحريم المتعة وقال: إنك امرؤ تائه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. كما قاله سفيان بن عيينة. وعليه أكثر الناس.

فروى الأمرين محتجا عليه بهما، لا مقيدا لهما بيوم خيبر. والله الموفق.

ولكن هاهنا نظر آخر. وهو إنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم. فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة، أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلّها ورجع عنه: وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧] .

ففي الصحيحين «١» عنه: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم. وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ عبد الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧]

. وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث تحتمل أمرين: أحدهما- الرد على من يحرمها وأنها لو لم


(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٩- باب قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، حديث ١٩٨٨.
ومسلم في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>