للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن كثير: ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمه الله، ما

ثبت في صحيح البخاري «١» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر

. وهذا قاله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته. علما منه أن أبا بكر. رضي الله عنه سيلبي الأمر بعده ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين. فأمر بسد الأبواب الشارعة. إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه ومن روى: إلا باب عليّ، كما وقع في بعض السنن، فهو خطأ والصواب ما ثبت في الصحيح.

ومن هذا التأويل احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد. ويجوز له المرور. وثمة تأويل آخر في قوله تعالى إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وهو أن المراد منه المسافرون. أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين. فيكون هذا الاستثناء دليلا على أنه يجوز للجنب الإقدام على الصلاة عند العجز عن الماء.

وقد روى ابن أبي حاتم عن زر بن حبيش عن عليّ في هذه الآية، قال: لا يقرب الصلاة لا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء، فيصلي حتى يجد الماء.

ثم

رواه من وجه آخر عن عليّ: ورواه عن جماعة من السلف أيضا: أنه في السفر.

قال ابن كثير: ويستشهد لهذا القول

بالحديث الذي رواه الإمام أحمد «٢» وأهل


(١)
أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ٣- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر» ، حديث ٣١١ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» قال فبكى أبو بكر. فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر. ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر. ولكن أخوّة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد بابا إلا سدّ. إلا باب أبي بكر»
. (٢)
أخرجه في المسند ٥/ ١٤٦. وهاكموه بنصه لنفاسته: عن رجل من بني عامر قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام. وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي.
وقد نعت لي أبو ذر. فحججت فدخلت مسجد منى، فعرفته بالنعت. فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري. فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي. فسلمت عليه فلم يرد علي. ثم صلى صلاة أتمها وأحسنها وأطالها. فلما فرغ ردّ عليّ. قلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذلك. قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي. قال: أتعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود من إبل وغنم. فكنت أكون فيها. فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع

<<  <  ج: ص:  >  >>