للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنن عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب طهور المسلم. وإن لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسّه بشرتك فإن ذلك خير لك.

وفي هذا التأويل بقاء لفظ الصلاة على معناه الحقيقيّ في الجملتين المتعاطفتين. وفي التأويل السابق تكون الصلاة، في الجملة الثانية محمولة على مواضعها.

قال في (فتح البيان) : وبالجملة، فالحال الأولى أعني قوله وَأَنْتُمْ سُكارى تقوّي بقاء الصلاة على معناه الحقيقي، من دون تقدير مضاف. وسبب نزول الآية السابق يقوّي ذلك. وقوله إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقوّي تقدير المضاف. أي لا تقربوا مواضع الصلاة. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي (أعني لا تقربوا وهو قوله:

وَأَنْتُمْ سُكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقيّ. وبعض قيود النهي (وهو قوله: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) يدل على أن المراد مواضع الصلاة. ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه. ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد. وهما: لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى. ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال في هذا إنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز. وهو جائز بتأويل مشهور.

وقال ابن جرير «١» (بعد حكايته للتأويلين) : وأولى القولين بالتأويل لذلك، تأويل من تأوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ، إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء. وهو جنب، في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ إلى آخره. فكان معلوما بذلك أن قوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا لو كان معنيّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ معنى مفهوم. وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد


في نفسي أني قد هلكت. فقعدت على بعير منها. فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار وهو جالس في ظل المجلس في نفر من أصحابه فنزلت عن البعير وقلت: يا رسول الله! هلكت. قال «وما أهلكك» ؟ فحدثته فضحك. فدعا إنسانا من أهله. فجاءت جارية سوداء بعسّ فيه ماء، ما هو بملآن، إنه ليتخضخض. فاستترت بالبعير. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من القوم فسترني. فاغتسلت ثم أتيته.
فقال «إن الصعيد الطيّب طهور، ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج. فإذا وجدت الماء فأمسّ بشرتك» .
(١) تفسير ابن جرير، ٨/ ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>