للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس فيه دلالة على منعه من التيمم عند وجوده لعارض يمنعه من الماء. فإن قيل:

من أين تستدلون حينئذ على إباحة تيممه؟ قلنا: من التحقيق الذي ذكرناه وهو أن المتعذر استعماله معدوم شرعا وكذا من قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] وقوله وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] وقوله وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨] ، ومما

أخرجه أبو داود «١» وابن ماجة والدّارقطنيّ من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر. فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه. ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك. فقال: قتلوه، قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟

فإنما شفاء العيّ السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر (ويعصب) على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده.

ومما

رواه أحمد وأبو داود «٢» وابن حبان والحاكم والدّارقطنيّ عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت، أن أهلك. فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح.

فذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا

. فهذا وما قبله يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر.

قال مجد الدين ابن تيمية: في حديث عمرو، من العلم، أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة. انتهى.

وقد روى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى قال:

نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ. ولم يكن له خادم فيناوله. فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية.

قال ابن كثير: هذا مرسل.

الثانية- ما يصدق عليه مفهوم عدم الوجود المقيد بالقيام إلى الصلاة، هو المعتبر في تسويغ التيمم. كما هو الظاهر من الآية. لا عدم الوجود مع طلب


(١) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٥- باب في المجروح يتيمم، حديث ٣٣٦.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٢٤- باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟ حديث ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>