للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أي ولم تجدوا بقربكم ماء تستعملونه. ومنه فقد من يناوله إياه، أو خشيته الضرر به أَوْ عَلى سَفَرٍ لا تجدونه فيه أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أي أو كنتم محدثين. والغائط هو المكان المنخفض. فالمجيء منه كناية عن الحدث.

لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليواري شخصه عن أعين الناس.

قال الخازن: كانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث. فكنوا به عن الحدث.

وذلك أن الرجل منهم، كان إذا أراد قضاء الحاجة، طلب غائطا من الأرض، يعني مكانا منخفضا منها يحجبه عن أعين الناس. فسمي الحدث بهذا الاسم. فهو من باب تسمية الشيء باسم مكانه. انتهى. وإسناد المجيء إلى واحد مبهم من المخاطبين دونهم، للتفادي عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به. كذا قاله أبو السعود. ثم قال: وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عز وجل أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ على التصريح بالجماع. قال الشهاب: وفي ذكر (أحد) دون غيره إشارة إلى أن الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً قال المهايميّ: أي فلا تستحيوا من الله، بل اعتذروا إليه فَتَيَمَّمُوا أي اقصدوا صَعِيداً أي ترابا أو وجه الأرض طَيِّباً أي طاهرا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً تعليل للترخيص والتيسير، وتقرير لهما. فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين، لا بد أن يكون ميسرا لا معسرا. وفي هذه الآية مسائل:

الأول- الظاهر أن قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا راجع إلى جميع ما قبلها وحينئذ لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء. وأما ما قيل أنه راجع إلى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ لأنه قد وجد المانع هاهنا من تقييد السفر والمرض، بعدم الوجود للماء، وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل في غير هذا الموضع كالصوم- فلا يفيد. لأن عدم الوجود معتبر فيهما لإباحة التيمم قطعا. إذ ليس السفر بمجرده مبيحا. وكذلك المرض. وأما ما يقال من أنه قد يباح للمريض التيمم مع وجود الماء إذا خشي الضرر به، فعدم الوجود في حقه إذن غير قيد.

فالجواب: أن هذا داخل تحت عدم الماء لأن من تعذر عليه استعماله هو، عادم له، إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع. فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر، يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه، فهو عادم له. وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء. وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له. ولئن سلمنا، تنزلا، أن المراد مطلق الوجود فنقول: المدعي أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>