عمله على خلاف ما أراد بكلامه. وعصى رسوله في مقتضى بيانه. فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق، وإذا لم يلزم ذلك لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب. بل قد يجتمعان في المعنى. ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين. ولا محال فيه. ويبقى النظر في وجود ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القرآن. يأتي على أثر هذا بحول الله تعالى.
وقوله في السؤال: فلا بد أن يكون زائدا عليه، مسلّم. ولكن هذا الزائد هل هو زيادة الشرح على المشروح إذا كان للشرح بيان ليس في المشروح، وإلا لم يكن شرحا. أم هو زيادة معنى آخر لا يوجد في الكتاب؟ هذا محل النزاع. وعلى هذا المعنى يتنزل الوجه الثاني.
وأيضا فإذا كان الحكم في القرآن إجماليّا، وهو في السنة تفصيليّ فكأنه ليس إياه. فقوله: أَقِيمُوا الصَّلاةَ أجمل ما فيه معنى الصلاة وبيّنه عليه السلام. فظهر من البيان ما لم يظهر من المبيّن، وإن كان معنى البيان هو معنى المبين ولكنهما في الحكم يختلفان. ألا ترى أن الوجه في المجمل قبل البيان، التوقف، وفي البيان العمل بمقتضاه؟ فلما اختلفا حكما صار كاختلافهما معنى. فاعتبرت السنة اعتبار المفرد عن الكتاب.
وأما الثالث فسيأتي الجواب عنه في المسألة بعد هذا إن شاء الله.
وأما الرابع فإنما وقع الخروج عن السنة في أولئك لمكان إعمالهم الرأي واطراحهم السنن، لا من جهة أخرى. وذلك أن السنة، كما تبين، توضح المجمل وتقيّد المطلق وتخصص العموم. فتخرج كثيرا من الصيغ القرآنية عن ظاهر مفهومها في أصل اللغة. وتعلم بذلك أن بيان السنة هو مراد الله تعالى من تلك الصيغ. فإذا طرحت واتبع ظاهر الصيغ بمجرد الهوى صار صاحب هذا النظر ضالا في نظره، جاهلا بالكتاب، خابطا في عمياء، لا يهتدي إلى الصواب فيها. إذ ليس للعقول من إدراك المنافع والمضار في التصرفات الدنيوية إلا النزر اليسير. وهي في الأخروية أبعد على الجملة والتفصيل.
وأمّا ما احتجوا به من الحديث، فإن لم يصح في النقل فلا حجة به لأحد من الفريقين. وإن صح أو جاء من طريق يقبل مثله فلا بد من النظر فيه. فإن الحديث إما وحي من الله صرف، وإمّا اجتهاد من الرسول عليه السلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة. وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله. لأنه عليه