للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وإذا فرع على القول بجواز الخطأ في حقه فلا يقره عليه البتة. فلا بد من الرجوع إلى الصواب. والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه.

نعم. يجوز أن تأتي السنة بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة. بل بما يكون مسكوتا عنه في القرآن إلا إذا قام البرهان على خلاف هذا الجائز. وهو الذي ترجم له في هذه المسألة. فحينئذ لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله. كما صرح به الحديث المذكور. فمعناه صحيح. صحّ سنده أو لا. وقد خرّج في معنى هذا الحديث الطحاويّ في كتابه في بيان مشكل

الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاريّ، عن أبي حميد وأبي أسيد، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به. وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم وتندّ منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكر فأنا أبعدكم منه» .

وروي أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس بن سهل أن أبيّ بن كعب كان في مجلس. فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمرخّص والمشدّد. وأبي بن كعب ساكت، فلما فرغوا قال: أي هؤلاء! ما حديث بلغكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرفه القلب ويلين له الجلد وترجون عنده، فصدّقوا بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلا الخير. وبيّن وجه ذلك الطحاويّ بأن الله تعالى قال في كتابه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال: ٢] الآية. وقال: مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر: ٢٣] الآية. وقال: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [المائدة: ٨٣] الآية. فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه.

وكان ما يحدثون به عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من جنس ذلك، لأنه كله من عند الله. ففي كونهم عند الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث. وإن كانوا بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه. وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا لا مخالفا في المعنى. إذ لو خالف لما اقشعرت الجلود ولا لانت القلوب. لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه.

وخرّج الطحاويّ أيضا عن أبي هريرة عنه عليه السلام: إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به. قلته أو لم أقله. فإني أقول ما يعرف ولا ينكر. وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به. فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف.

ووجه ذلك أن المرويّ إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه، لوجود معناه في ذلك، وجب

<<  <  ج: ص:  >  >>