بالعقوبات الغليظة. ولم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم. وإن لم يعلموا هم أنه كفر. كان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان. فيجمع بين طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة وإن كانوا جهالا مبتدعين. وظلمة فاسقين. انتهى كلام الشيخ. فتأمله تأملا خاليا عن الميل والحيف.
وقال الشيخ تقيّ الدين أيضا: من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع ولو دعا إليها، فهذا ليس بكافر أصلا. والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها. ولم يكن في الصحابة من يكفرهم، لا عليّ ولا غيره. بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين. كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع. وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن. من كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن. وإن كان أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه.
وقد يكون في بعضهم شعبة من النفاق. ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين والسبعين فرقة، كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة. فليس فيهم من كفّر كل واحد من الثنتين والسبعين فرقة. انتهى.
وقال ابن القيّم في طرق أهل البدع: الموافقون على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول، كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة- فهؤلاء أقسام: أحدها- الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له. فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى. وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
القسم الثاني- متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق. ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورئاسته ولذاته ومعاشه. فهذا مفرّط مستحق للوعيد، آثم بترك ما أوجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته. فهذا، إن غلب ما فيه من البدعة والهوى، على ما فيه من السنة والهدى، ردّت شهادته. وإن غلب ما فيه من السنة