الثالث- أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويترك، تعصبا أو معاداة لأصحابه.
فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا. وتكفيره محل اجتهاد. انتهى كلامه. فانظره وتأمله. فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه. وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم. هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر، والكفر الأكبر. وبين في غالب كتبه مخازيهم. ولنذكر من كلامه طرفا تصديقا لما ذكرنا عنه. قال رحمه الله في (المدارج) : المثبتون للصانع نوعان: أحدهما- أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته.
كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية. فإنهم يثبتون مع الله إلها آخر. والمجوسية القدرية تثبت مع الله خالقا للأفعال. ليست أفعالهم مخلوقة لله ولا مقدورة له. وهي صادرة بغير مشيئته تعالى وقدرته. ولا قدرة له عليها. بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين مريدين شيّائين. وحقيقة قول هؤلاء: إن الله ليس ربّا خالقا لأفعال الحيوان.
انتهى كلامه. وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه. وشبههم بالمجوس الذين يقولون: إن للعالم خالقين. وانظر لما تكلم على التكفير هو وشيخه، كيف حكيا عدم تكفيرهم عن جميع أهل السنة. حتى مع معرفة الحق والمعاندة. قال: كفره محل اجتهاد. كما تقدم كلامه قريبا.
وقال ابن تيمية، وقد سئل عن رجلين تكلما في مسألة التكفير. فأجاب وأطال. وقال في آخر الجواب: لو فرض أن رجلا دفع التكفير عمن يعتقد أنه ليس بكافر، حماية له ونصرا لأخيه المسلم، لكان هذا غرضا شرعيّا حسنا. وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران. وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر. وقال رحمه الله: التكفير إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة. أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها. وسئل أيضا، قدس الله روحه، عن التكفير الواقع في هذه الأمة، من أوّل من أحدثه وابتدعه؟ فأجاب: أول من أحدثه في الإسلام المعتزلة. وعنهم تلقاه من تلقاه. وكذلك الخوارج هم أول من أظهره. واضطرب الناس في ذلك. فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين. وعن الشافعيّ كذلك. وعن أحمد روايتان. وأبو الحسن الأشعريّ وأصحابه لهم قولان. وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا. فيطلق القول بتكفير قائله. ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، من تعريف الحكم الشرعي، من سلطان، أو أمير مطاع. كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام. فإذا عرفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجة. وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب