ولا يضره الاختلاف. لإمكان التعدد. وأفاد الواحديّ بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاريّ المذكور قيس. ورجح الطبريّ في (تفسيره) وعزاه إلى أهل التأويل في (تهذيبه) أن سبب نزولها هذه القصة. ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد. قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك.
ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية. والله أعلم. انتهى.
قال الرازيّ: اعلم أن قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط: أولها- قوله تعالى حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا. الشرط الثاني- قوله ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ. واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيا به في الظاهر دون القلب. فبيّن، في هذه الآية، أنه لا بد من حصول الرضا به في القلب.
واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر. فليس المراد من الآية ذلك.
بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق. الشرط الثالث- قوله وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا، قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول. فبيّن تعالى أنه، كما لا بد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب، فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر. فقوله ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ المراد به الانقياد في الباطن. وقوله وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً المراد منه الانقياد في الظاهر. والله أعلم.
الثالث- قال الرازيّ: ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس. لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الإطلاق. وأنه لا يجوز العدول منه إلى غيره. ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف. وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس. وقوله ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ مشعر بذلك. لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص، فهناك يحصل الحرج في النفس. فبيّن تعالى أنه لا يكمل إيمانه، إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليّا.