للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع- (لا) في قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ قيل إنها ردّ لمقدّر. أي: تفيد نفي أمر سبق. والتقدير: ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك. ثم استأنف القسم بقوله وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ وقيل: مزيدة لتأكيد النفي الذي جاء فيما بعد أعني الجواب. لأنه إذا ذكر في أول الكلام وفي آخره كان أوكد وأحسن. وقيل: إنها مزيدة لتأكيد معنى القسم. وارتضاه الزمخشريّ. قال: كما زيدت في لِئَلَّا يَعْلَمَ [الحديد: ٢٩] ، لتأكيد وجوب العلم. قال في (الانتصاف) يشير إلى أن (لا) لما زيدت مع القسم، وإن لم يكن المقسم به، دلّ ذلك على أنها إنما تدخل فيه لتأكيد القسم. فإذا دخلت حيث يكون المقسم عليه نفيا، تعين جعلها لتأكيد القسم، طردا للباب. أو الظاهر عنده، والله أعلم، أنها هنا لتوطئة النفي المقسم عليه. والزمخشريّ لم يذكر مانعا من ذلك. وحاصل ما ذكره مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات. وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة. على أن في دخولها على القسم المثبت نظرا. وذلك أنها لم ترد في الكتاب العزيز إلا مع القسم حيث يكون بالفعل. مثل لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: ١] ، لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ [القيامة: ١] ، فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ [التكوير: ١٥] ، فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة: ٧٥] ، فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ [الحاقة: ٣٨- ٣٩] ، ولم تدخل أيضا إلا على القسم بغير الله تعالى.

ولذلك شرّ يأبى كونها في هذه الآية لتأكيد القسم. ويعين كونها للتوطئة: وذلك أن المراد بها في جميع الآيات التي عددناها تأكيد تعظيم المقسم به. إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له. فكأنه بدخولها يقول: إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها، كلا إعظام. يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك. وهذا التأكيد إنما يؤتى به رفعا لتوهم كون هذه الأشياء غير مستحقة للتعظيم، وللإقسام بها. فيزاح هذا الوهم بالتأكيد، في إبراز فعل القسم مؤكدا بالنفي المذكور. وقد قرر الزمخشريّ هذا المعنى في دخول (لا) عند قوله (لا) عند قوله لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ على وجه مجمل، هذا بسطه وإيضاحه. فإذا بين ذلك، فهذا الوهم الذي يراد إزاحته في القسم بغير الله، مندفع في الإقسام بالله. فلا يحتاج إلى دخول (لا) مؤكدة للقسم. فيتعين حملها على الموطئة. ولا تكاد تجدها، في غير الكتاب العزيز، داخلة على قسم مثبت. وأما دخولها في القسم، وجوابه نفي، فكثير مثل:

فلا وأبيك ابنة العامريّ ... لا يدّعي القوم أنّي أفرّ

وكقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>