للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوّا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين. فقال فعاد. فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم تخذف. لا أكلمك أبدا.

قال النوويّ: فيه جواز هجران أهل البدع والفسوق. وأنه يجوز هجرانهم دائما.

فالنهي عنه فوق ثلاثة أيام إنما هو في هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا. وأما هجر أهل البدع، فيجوز على الدوام. كما يدل عليه هذا مع نظائر له، لحديث كعب بن مالك.

قال السيوطيّ: وقد ألفت مؤلفا سميته (الزجر بالهجر) لأني كثير الملازمة لهذه السنة.

أقول: حديث الخذف ساقه الحافظ الدارميّ «١» في (سننه) تحت باب (تعجيل عقوبة من بلغه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث فلم يعظمه ولم يوقره) ورواه من طرق متنوعة. وفي بعضها: أحدثك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الخذف ثم تخذف؟ والله! لا أشهد لك جنازة ولا أعودك في مرض ولا أكلمك أبدا. وأسند الدارميّ في هذا الباب عن قتادة عن ابن سيرين أنه حدث رجلا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رجل: قال فلان وفلان: كذا وكذا! فقال ابن سيرين: أحدثك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وتقول: قال فلان وفلان؟ لا أكلمك أبدا.

وأسند أيضا فيه عن عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيّب يودعه بحج أو عمرة. فقال له: لا تبرح حتى تصلّي. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج بعد النداء من المسجد إلا منافق. إلا رجل أخرجته حاجة وهو يريد الرجعة إلى المسجد. فقال: إن أصحابي بالحرة. قال فخرج.

قال فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه.

وذكر الدارميّ رضي الله عنه قبل هذا الباب (باب ما يتّقى من تفسير حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم) وأسند «٢» عن معتمر عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: أما تخافون أن تعذبوا أو يخسف بكم أن تقولوا: قال رسول الله، وقال فلان.

قال الإمام شمس الدين بن القيّم في (أعلام الموقعين) : ترى كثيرا من الناس


(١) أخرجه في مسنده في المقدمة، ٤٠- باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث، فلم يعظمه ولم يوقره.
(٢) أخرجه في مسنده في المقدمة، ٣٩- باب ما يتقى من تفسير حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقول غيره عند قوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>