للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الالتفات. وهو جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم. أي: إذا كان الأمر، كما حكى من عدم طاعة المنافقين وكيدهم، فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا. قاله أبو السعود. لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أي: إلا فعل نفسك. بالتقدم إلى الجهاد. فإن الله هو ناصرك، لا الجنود. فإن شاء نصرك وحدك، كما ينصرك وحولك الألوف. أي: ومن نكل، فلا عليك منه ولا تؤاخذ به.

قال الرازيّ: دلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال.

لأنه تعالى ما كان يأمره بذلك إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات. ولقد اقتدى به أبو بكر «١» رضي الله عنه حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة. ومن علم أن الأمر كله بيد الله، وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلّا بقضاء الله، سهل ذلك عليه.

وروى ابن أبي حاتم عن أبي إسحاق قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدوّ فيقاتل، فيكون ممن قال الله فيه: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ قال: قد قال الله تعالى لنبيه: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ.

ورواه الإمام أحمد «٢» أيضا عنه قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا. إن الله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ. إنما ذلك في النفقة. وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أي على الخروج معك وعلى القتال. ورغبهم فيه وشجعهم عليه. كما

قال لهم «٣» صلى الله عليه وسلم، يوم بدر، وهو يسوي الصفوف: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض

. وقد وردت


(١)
جاء في صحيح البخاريّ في: الزكاة، ١- باب وجوب الزكاة، حديث ٧٤٣ و ٧٤٤ ما نصه: عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه. وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قالها، فقد عصم ماله ونفسه، إلا بحقه. وحسابه على الله» ؟
فقال: والله! لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة. فإن الزكاة حق المال: والله! لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فو الله! ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق
. (٢) أخرجه في المسند ٤/ ٢٨١.
(٣)
أخرج مسلم في: الإمارة، حديث ١٤٥ ما نصه: عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان. فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فحدثه الحديث. قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال: إن لنا طلبة. فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا: فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة. فقال «لا. إلا من كان ظهره حاضرا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>