للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه. فهاجر إليه فمات في الطريق. فقبضته ملائكة الرحمة. وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة، التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى. لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم. وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ... الآية، فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه. وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعا.

ولكن لا يصح. ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه. وكذا كل وعيد على ذنب. لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، على قولي أصحاب الموازنة والإحباط. وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد.

والله أعلم بالصواب. وبتقدير دخول القاتل في النار، إما على قول ابن عباس ومن وافقه، أنه لا توبة له. أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به- فليس بمخلد فيها أبدا. بل الخلود هو المكث الطويل.

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «١»

أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان

. ثم قال ابن كثير: وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه من حقوق الآدميين. وهي لا تسقط بالتوبة. ولكن لا بد من ردها إليهم. ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغضوب منه والمغبون والمقذوف وسائر حقوق الآدميين. فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة. ولكن لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة. فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة. لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة.

إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول، أو بعضها. ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة. أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك. والله أعلم. انتهى.

وقال النوويّ في (شرح مسلم) في شرح حديث الإسرائيليّ الذي قتل مائة نفس: استدل به على قبول توبة القاتل عمدا. وهو مذهب أهل العلم وإجماعهم. ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس. وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا، فمراد قائله الزجر والتوبة. لا أنه يعتقد بطلان توبته. وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا،


(١) أخرجه البخاريّ عن أبي سعيد الخدريّ في: التوحيد، ٢٤- باب قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث ٢١.
والحديث الذي أخرجه أيضا عن أنس بن مالك في: التوحيد، ٣٦- باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، حديث ٤٠.
وأخرج الحديث الأول مسلم في: الإيمان، حديث ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>