للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الاحتجاج به خلاف، فليس هذا موضع الخلاف. وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره. فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك. وهذا قد ورد شرعنا به. وذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ إلى قوله: إِلَّا مَنْ تابَ ... [الفرقان: ٦٨] ، الآية. وأما قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ...

الآية. فالصواب في معناها: أن جزاءه جهنم. فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره.

وقد لا يجازى بل يعفى عنه. فإن قتل عمدا مستحلّا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتدّ. يخلد في جهنم بالإجماع. وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص. مرتكب كبيرة، جزاؤها جهنم خالدا فيها. لكن تفضل الله تعالى وأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها. فلا يخلد هذا. ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا. وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين. ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار. قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية. ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة، أن يتحتم ذلك الجزاء. وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم. وإنما فيها أنها جزاؤه. أي: يستحق أن يجازى بذلك. وقيل:

وردت الآية في رجل بعينه. وقيل: المراد بالخلود طول المدة، لا الدوام. وقيل:

معناها: هذا جزاؤه، إن جازاه. وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة. لمخالفتها حقيقة لفظ الآية. فالصواب ما قدمناه. انتهى.

وقال علاء الدين الخازن: اختلف العلماء في حكم هذه الآية. هل هي منسوخة أم لا؟ وهل لمن قتل متعمدا توبة أم لا؟ فروي «١» عن سعيد بن جبير قال:

قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا. فتلوت عليه الآية التي في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان: ٦٨] . إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية. نسختها آية مدنية:

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. وفي رواية، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن. فرحلت إلى ابن عباس. فقال: نزلت في آخر ما نزل. ولم ينسخها شيء.

وفي رواية أخرى «٢» ، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بالمدينة: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢٥- سورة الفرقان، ٢- باب قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، حديث ١٨٠٩.
(٢) أخرجها البخاريّ في: التفسير، ٢٥- سورة الفرقان، ٣- باب قوله تعالى: يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. ونصها: عن سعيد بن جبير قال: قال ابن أبزى: سئل ابن عباس

<<  <  ج: ص:  >  >>