للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشديد والمبالغة في الزجر عن القتل. فهو كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: إن لم يقتل يقال له: لا توبة لك. وإن قتل ثم ندم وجاء تائبا يقال له: لك توبة.

وقيل: إنه قد روي عن ابن عباس مثله. وروي عنه أيضا أن توبته تقبل. وهو قول أهل السنة. ويدل عليه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه: ٨٢] . وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] . وأما السنة فما

روي عن جابر بن عبد الله قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك به شيئا دخل النار. أخرجه مسلم «١» .

وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت قال «٢» : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال:

تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وفي رواية: ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف. فمن وفي منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. فبايعناه على ذلك.

انتهى.

وقال العلامة أبو السعود: تمسّكت الخوارج والمعتزلة بها في خلود من قتل المؤمن عمدا في النار. ولا متمسّك لهم فيها. لا لما قيل من أنها في حق المستحل، كما هو رأي عكرمة وأضرابه. بدليل أنها نزلت في مقيس بن صبابة الكنانيّ المرتد.

فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. بل لأن المراد بالخلود هو المكث الطويل لا الدوام. لتظاهر النصوص الناطقة بأن عصاة المؤمنين لا يدوم عذابهم. وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا. وكذا ما روي عن سفيان: أن أهل العلم كانوا إذا سئلوا قالوا: لا توبة له- محمول على الاقتداء بسنة الله تعالى في التشديد والتغليظ. وعليه يحمل ما

روي عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة.

وقال عون بن عبد الله وبكر بن عبد الله وأبو صالح: المعنى هو جزاؤه إن


(١) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٥١.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الإيمان، ١١- باب حدثنا أبو اليمان، حديث ١٨.
ومسلم في: الحدود، حديث ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>