للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جازاه. قالوا: قد يقول الإنسان لمن يزجره عن أمر: إن فعلته فجزاؤك القتل والضرب.

ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا.

قال الواحديّ: والأصل في ذلك أن الله عز وجل يجوز أن يخلف الوعيد، وأن امتنع أن يخلف الوعد. والتحقيق أنه لا ضرورة إلى تفريع ما نحن فيه على الأصل المذكور. لأنه إخبار منه تعالى أن جزاءه ذلك. لا بأنه يجزيه بذلك. كيف لا؟ وقد قال الله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] . ولو كان هذا إخبارا بأنه تعالى يجزي كل سيئة بمثلها، لعارضه قوله تعالى: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠] .

انتهى.

وقال العلامة الشوكانيّ في (نيل الأوطار) : وأما بيان الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول: لا نزاع أن قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب. بل للمسلم والكافر. والاستثناء لمذكور في آية الفرقان. أعني قوله تعالى: إِلَّا مَنْ تابَ [الفرقان: ٧٠] . بعد قوله تعالى: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان: ٦٨]- مختص بالتائبين فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً. أما على ما هو المذهب الحق من أنه ينبني العامّ على الخاص مطلقا، تقدم أو تأخر أو قارن- فظاهر، وأما على مذهب من قال: إن العامّ المتأخر ينسخ الخاص المتقدم، فإذا سلمنا تأخر قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً، على آية الفرقان، فلا نسلم تأخرها من العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفره الله. كقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] . وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ١١٦] . ومن ذلك ما

أخرجه مسلم «١» عن أبي هريرة. أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

وما

أخرجه الترمذيّ «٢» وصححه من حديث صفوان بن عسّال.


(١) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٣.
(٢)
أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، ٩٨- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده. ونصه: عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسّال المراديّ أسأله المسح على الخفين؟
فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، رضا بما يطلب. فقلت: إنه حكّ في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت

<<  <  ج: ص:  >  >>