للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار. فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر. فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها.

وقد قال العلامة الزمخشريّ في (الكشاف) : إن هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ. قال: ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي، من أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة. وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له. وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد: وإلّا فكل ذنب ممحوّ بالتوبة. وناهيك بمحو الشرك دليلا.

ثم ذكر

حديث: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم، وهو عند النسائيّ «١» من حديث بريدة، وعند ابن ماجة «٢» من حديث البراء. وعند النسائيّ «٣» أيضا من حديث ابن عمرو. أخرجه أيضا الترمذيّ «٤»

انتهى. كلام الشوكانيّ.

وقال الإمام ابن القيّم في (الجواب الكافي) : لما كان الظلم والعدوان منافيين للعدل الذي قامت به السموات والأرض، وأرسل الله سبحانه رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط- كان (أي الظلم) من أكبر الكبائر عند الله، وكانت درجته في العظمة بحسب مفسدته في نفسه: وكان قتل الإنسان المؤمن من أقبح الظلم وأشده. ثم قال: ولما كانت مفسدة القتل هذه المفسدة- قال الله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة: ٣٢] .

ثم قال: وفي صحيح البخاريّ «٥» عن سمرة بن جندب قال: أول ما ينتن من الإنسان بطنه. فمن استطاع منكم أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل. ومن استطاع أن لا يحول بينه وبن الجنة ملء كف من دم أهرقه فليفعل. وفي جامع الترمذيّ «٦» عن نافع


(١، ٣) أخرجه النسائي في: تحريم الدم، ٢- باب تعظيم الدم.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: الديات، ١- باب التغليظ في قتل المسلم، حديث ٢٦١٩.
(٤) أخرجه الترمذيّ في: الديات، ٧- باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن.
(٥) أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٩- باب من شاق شق الله عليه، حديث ٢٤٣٩.
(٦)
أخرجه الترمذيّ في: البر والصلة، ٨٥- باب ما جاء في تعظيم المؤمن، ونصه: عن نافع عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتبعوا عوراتهم: فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته. ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله
.

<<  <  ج: ص:  >  >>