للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابتغاء رزق طيب، فهي هجرة إلى الله ورسوله. وإن أدركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله.

ووقع في كلام الزمخشريّ على الآية السابقة هذا الدعاء. وهو: اللهم! إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني، فاجعلها سببا في خاتمة الخير، ودرك المرجوّ من فضلك، والمبتغى من رحمتك، وصل جواري لك بعكوفي عند بيتك، بجوارك في دار كرامتك، يا واسع المغفرة.

وكلامه، رحمة الله، بناه على أنه يستحب للإنسان أن يدعو الله بصالح عمله.

وقد ذكر البخاريّ «١» ومسلم حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار وانسد عليهم بصخرة. وصوبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دعا كل واحد منهم بصالح عمله. وانفرجت عنهم الصخرة.

وقد اقتضت الآية لزوم الهجرة ولو ببذل مال كالحج. وفيما سبق من حديث


(١) أخرجه البخاريّ في: البيوع، ٩٨- باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي، حديث ١١١١.
وأخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ١٠٠.
وهذا نصه
من البخاريّ: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر. فدخلوا في غار في جبل. فانحطت عليهم صخرة. قال فقال بعضهم لبعض:
ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم: اللهم! إني كان لي أبوان شيخان كبيران. فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب. فأجيء بالحلاب فآتي به أبويّ فيشربان. ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي. فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان. قال فكرهت أن أوقظهما. والصبية يتضاغون عند رجلي. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر. اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء. قال ففرج عنهم.
وقال الآخر: اللهم! إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي. كأشد ما يحب الرجل النساء. فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار. فسعيت فيها حتى جمعتها. فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقه. فقمت وتركتها.
فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة.
قال ففرج عنهم الثلثين.
وقال الآخر: اللهم! إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة. فأعطيته. فأبى ذاك أن يأخذ.
فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها. ثم جاء فقال: يا عبد الله! أعطني حقي. فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك.
فقال: أتستهزئ بي؟
قال فقلت: ما أستهزئ بك. ولكنها لك.
اللهم! إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا. فكشف عنهم
.

<<  <  ج: ص:  >  >>