للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي حمل من مكة وقد قال: احملوني فإني لست من المستضعفين- إشارة إلى أنها تجب الهجرة إذا تمكن من الركوب ولو مضطجعا في المحمل. لأنه حمل على سرير. وقد ذكر المتأخرون (في الحج) أن الصحيح الذي يلزمه أن يمكنه الثبات على المحمل، قاعدا لا مضطجعا، لأن أحدا لا يعجز عن ذلك. فيحتمل أن يسوى بين المسألتين. وأنه يجب الحج ولو مضطجعا. وأنهما لا يجبان مع الاضطجاع.

وفعل ضمرة على سبيل الشذوذ. ويحتمل أن يفرق بينهما وتجعل الهجرة أغلظ. لأن فعل المحظور، وهو الإقامة، أغلظ من ترك الواجب. وهذا يحتاج إلى تحقيق. كذا في تفسير بعض الزيدية.

الثالث-

روي في معنى هذه الآية أحاديث وافرة. منها ما في الصحيحين «١» والسنن والمسانيد: عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى

. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

قال ابن كثير: وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال.

ومنه الحديث الثابت في الصحيحين «٢» في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم أكمل، بذلك العابد، المائة. ثم سأل عالما: هل له من توبة؟ فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الله فيه. فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطريق.

فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقال هؤلاء: إنه جاء تائبا. وقال هؤلاء: إنه لم يصل بعد. فأمروا إن يقيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيهما كان أقرب فهو


(١) أخرجه البخاريّ في: الوحي، ١- باب حدثنا الحميدي، حديث ١.
ومسلم في: الإمارة، حديث ١٥٥.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأنبياء، ٥٤- حدثنا أبو اليمان، حديث ١٦٢٩.
ومسلم في: التوبة، حديث ٤٦.
ونصه عن البخاريّ: عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا. ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا.
فقتله. فجعل يسأل. فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا. فأدركه الموت. فناء بصدره نحوها.
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فأوحى الله إلى هذه أن: تقرّبي. وأوحى الله إلى هذه أن: تباعدي وقال: قيسوا ما بينهما. فوجد إلى هذه أقرب بشبر. فغفر له
.

<<  <  ج: ص:  >  >>