للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفر ركعتان. تمام غير قصر. على لسان نبيّكم. وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره ركعتين. وأقام بمكة ثمانية عشر يوما يقصر ويقول: أتموا، يا أهل مكة! فإنا قوم سفر. وعن الشعبيّ: من أتم في السفر فقد رغب عن ملة إبراهيم.

وروي أن عثمان أتم الصلاة بمنى. فأنكر عليه عبد الله بن مسعود. وقال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين

. وخلف أبي بكر ركعتين. منفصلتين. فاعتذر عثمان بضروب من الأعذار. منها أنه قد تأهل. وقيل: أتم لأن مذهبه أن القصر لمن لم يكن له زاد ولا راحلة. وهو مذهب سعد بن أبي وقاص. فيكون قولنا: قصرت الصلاة، مجازا، لأنها تامة إذا نقص من الأربع. ويقولون: هذه الأخبار تعارض ما يفهم من معقولية التسهيل. ومتعلق أهل القول الثالث والرابع بالجمع بين الروايات، وسائر الوجوه التي تعلق بها أهل القولين الأولين. فكان واجبا مخيّرا. ومن قال: إنه سنة، فلأن المشهور عنه صلى الله عليه وسلم القصر في الأسفار، كذا في تفسير بعض الزيدية.

أقول: حديث عائشة المذكور. رواه النسائيّ والدّارقطنيّ والبيهقيّ. واختلف قول الدّارقطنيّ فيه، فقال في (السنن) : إسناده حسن. وقال في (العلل) : المرسل أشبه. وقال ابن حزم: هذا حديث لا خير فيه. وطعن فيه. وقال ابن النحويّ (في البدر المنير) : في متن هذا الحديث نكارة. وهو كون عائشة خرجت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان. والمشهور أن عمره كلهن في ذي القعدة. وأطال في ذلك.

وقال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) : وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية. فيصليها ركعتين من حين خرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة. ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة. وأما حديث عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم فلا يصح. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقد روي (كان يقصر وتتم) الأول بالياء آخر الحروف. والثاني بالتاء المثناة من فوق. وكذلك (يفطر وتصوم) أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين.

قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل. ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه. فتصلي خلاف صلاتهم. كيف؟ والصحيح عنها «١» أن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيدت في


(١) أخرجه البخاريّ في: الصلاة، ١- كيف فرضت الصلوات في الإسراء، حديث ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>