للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزهريّ لعروة، (لما حدثه عن أبيه عنها بذلك) : فما شأنها؟ كانت تتم الصلاة. فقال: تأولت كما تأول عثمان. فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها، فما للتأويل حينئذ وجه. ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير.

وقد أخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ولا أبو بكر ولا عمر. أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم وهي تراهم يقصرون؟ وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإنها أتمت. كما أتم عثمان. وكلاهما تأول تأويلا. والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم. مع مخالفة غيره له. والله أعلم.

وقد قال أمية بن خالد لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن. ولا نجد صلاة السفر في القرآن. فقال له ابن عمر: يا أخي! إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا. فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل.

وقد قال أنس «١» : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. فكان يصلي ركعتين ركعتين. حتى رجعنا إلى المدينة.

وقال ابن عمر: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان لا يزيد في السفر على ركعتين.

وأبا بكر وعمر وعثمان رضي عنهم. وهذه كلها أحاديث صحيحة.

انتهى كلام ابن القيّم.

قال الإمام الشوكانيّ في (نيل الأوطار) : وقد استدل، بحديثي عائشة، القائلون بأن القصر رخصة. ويحاب عنهم بأن الحديث الثاني لا حجة لهم فيه. لما تقدم من أن لفظ (تتم وتصوم) بالفوقانية. لأن فعلها، على فرض عدم معارضته لقوله وفعله صلى الله عليه وسلم، لا حجة فيه. فكيف إذا كان معارضا للثابت عنه من طريقها وطريق غيرها من الصحابة؟ وأما الحديث الأول، فلو كان صحيحا، لكان حجة.

لقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب عنها: أحسنت

. ولكنه لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة. وهذا بعد تسليم أنه حسن، كما قال الدّارقطنيّ. فكيف؟ وقد طعن فيه بتلك المطاعن المتقدمة. فإنها بمجردها توجب سقوط الاستدلال به عند عدم المعارض. انتهى.

المسألة الثالثة- استدل بعموم الآية من جوّز القصر في كل سفر طويلا أو قصيرا. ووجهه أن قوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يصدق على كل ضرب.


(١) أخرجه البخاريّ في: تقصير الصلاة، ١- باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، حديث ٥٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>