للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه خرج الضرب أي: المشي لغير السفر، لما كان يقع منه صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه، ولا يقصر. ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شيء. فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وشرعا. ومن خرج من بلده قاصدا إلى محل، يعد في مسيره إليه مسافرا، قصر الصلاة. وإن كان ذلك المحل دون البريد. ولم يأت من اعتبر البريد واليوم واليومين والثلاث وما زاد على ذلك، بحجة نيرة. وغاية ما جاءوا به

حديث «١» : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم. وفي رواية: يوما وليلة. وفي رواية: بريدا

. وليس في هذا الحديث ذكر القصر ولا هو في سياقه. والاحتجاج به مجرد تخمين. وأحسن ما

ورد في التقدير ما رواه شعبة عن يحيى بن زيد الهنائيّ قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة؟

فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، صلى ركعتين. والشك من شعبة. أخرجه مسلم وغيره

. فإن قلت: محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم، هو كونه صلى الله عليه وسلم سمى ذلك سفرا. قلت:

تسميته سفرا لا تنافي تسمية ما دونه سفرا. فقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم مسافة الثلاث سفرا. كما سمى مسافة البريد سفرا، في ذلك الحديث باعتبار اختلاف الرواية.

وتسمية البريد سفرا لا ينافي تسمية ما دونه سفرا. فإن قلت:

أخرج الدّارقطنيّ والبيهقيّ والطبرانيّ من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة! لا تقصروا في أقل من أربعة برد

. من مكة إلى عسفان- قلت: هو ضعيف لا تقوم به الحجة. فإن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر. وهو متروك. وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها. والحاصل أن الواجب هو الرجوع إلى ما يصدق عليه اسم السفر شرعا أو لغة. كذا في (الروضة الندية) . (وفي المصباح) : سفر الرجل سفرا مثل طلب، خرج للارتحال. وفي (القاموس) : قوم سفر وسافرة وأسفار وسفار: ذوو سفر، لضدّ الحضر.

هذا وللقصر مباحث مقررة في شروح السنة.

ولما كان النص السابق الوارد في مشروعية القصر مجملا بيّن كيفيته بصورة في مزيد الحاجة إليها، ويكتفي فيما عداها ببيان السنة، فقال تعالى:


(١)
أخرجه مسلم في: الحج، حديث ٤٢٣ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا، إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>