أحمد ومسلم «١» وأبو داود والنسائيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله الصلاة على نبيّكم صلى الله عليه وسلم، في الحضر، أربعا. وفي السفر ركعتين. وفي الخوف ركعة.
فهذه الأحاديث تدل على أن من صفة صلاة الخوف، الاقتصار على ركعة لكل طائفة.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف، يقول الثوريّ وإسحاق ومن تبعهما. وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعريّ وغير واحد من التابعين. ومنهم من قيّد بشدة الخوف. وقال الجمهور: قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد. وتأولوا هذه الأحاديث بأن المراد بها ركعة من الإمام وليس فيها نفي الثانية. ويرد ذلك قوله في حديث ابن عباس وحذيفة:(ولم يقضوا ركعة) وكذا قوله في حديث ابن عباس الثاني: (وفي الخوف ركعة) وأما تأويلهم قوله (لم يقضوا) بأن المراد منه لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن- بعيد جدا. كذا في (نيل الأوطار) نعم.
وقع في حديث ابن عمر المتفق عليه وقد قدمناه: ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. وعند أبي داود من حديث ابن مسعود: ثم سلم، وقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة. ثم سلموا ثم ذهبوا. ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا. وبالتحقيق، كل ما روي هو من صورها الجائزة. ولما ذكر الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) هديه صلى الله عليه وسلم في أدائها، قال في آخر صورة: وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة فتذهب ولا تقضي شيئا. وتجيء الأخرى فيصلي بهم ركعة ولا تقضي شيئا. فيكون له صلى الله عليه وسلم ركعتان. ولهم ركعة ركعة. وهذه الأوجه كلها يجوز الصلاة بها.
قال الإمام أحمد: كل حديث يروى في باب صلاة الخوف فالعمل به جائز.
انتهى.
وقال ابن كثير: صلاة الخوف أنواع كثيرة. فإن العدوّ تارة يكون تجاه القبلة.
وتارة يكون في غير صوبها. ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة. بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. ورجالا وركبانا.
ولهم أن يمشوا والحالة هذه، ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة. ومن العلماء من قال: يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم، وبه قال أحمد ابن حنبل.