للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه. أو إن سبيل المؤمنين هو الاستدلال بالكتاب والسنة. وهذا لا نزاع فيه. فهذا ونحوه قول من يقول: لا تدل على محل النزاع. وآخرون يقولون: بل تدل على وجوب اتباع المؤمنين مطلقا. وتكلفوا لذلك ما تكلفوه. كما قد عرف كلامهم ولم يجيبوا عن أسئلة أولئك بأجوبة شافية. والقول الثالث الوسط: إنها تدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين وتحريم اتباع غير سبيلهم. ولكن مع تحريم مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى. وهو يدل على ذم كلّ من هذا وهذا. كما تقدم. لكن لا ينفي تلازمهما. كما ذكر في طاعة الله والرسول. وحينئذ يقول: الذم إما أن يكون حقّا لمشاقة الرسول فقط، أو باتباع غير سبيلهم فقط، أو أن يكون الذم لا يلحق بواحد منهما. بل بهما إذا اجتمعا. أو لحق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر، أو بكل منهما لكونه مستلزما للآخر. والأوّلان باطلان. لأنه لو كان المؤثر أحدهما فقط، كان ذكر الآخر ضائعا لا فائدة فيه. وكون الذم لا يلحق بواحد منهما باطل قطعا. فإن مشاقة الرسول موجبة للوعيد مع قطع النظر عمن اتبعه. ولحوق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر لا تدل عليه الآية. فإن الوعيد فيها إنما هو على المجموع. بقي القسم الآخر وهو أن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد. لأنه مستلزم للآخر. كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول ومخالفة القرآن والإسلام. فيقال: من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار. ومثله قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً. فإن الكفر بكل واحد من هذه الأصول يستلزم الكفر بغيره. فمن كفر بالله كفر بالجميع. ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب والرسل، فكان كافرا بالله. إذ كذب رسله وكتبه. وكذلك إذا كفر باليوم الآخر كذب الكتب والرسل. فكان كافرا. وكذلك قوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران: ٧١] ذمهم على الوصفين. وكل منهما مقتض للذم. وهما متلازمان. ولهذا نهى عنهما جميعا في قوله وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فإن من لبس الحق بالباطل فغطاه به، فغلط به، لزم أن يكتم الحق الذي تبين أن هذا باطل، إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق. فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين. من شاقّه، فقد اتبع غير سبيلهم. وهذا ظاهر. ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد. فدل على أنه وصف مؤثر في الذم.

فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك. وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول. قلنا: لأنهما متلازمان. وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عن الرسول. فالمخالف لهم مخالف للرسول.

<<  <  ج: ص:  >  >>