للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل. فإذا شهدوا أن الله أمر بشيء فقد أمر به. وإذا شهدوا أن الله نهى عن شيء فقد نهى عنه. ولو كان يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في الأرض. وقال تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ [لقمان: ١٥] . والأمة منيبة إلى ربها فيجب اتباع سبيلها وقال تعالى:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: ١٠٠] . فرضي عمن اتبع السابقين إلى يوم القيامة. فدلّ على أن متابعهم عامل بما يرضي الله. والله لا يرضى إلا بالحق لا بالباطل. وقال تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً، والشافعيّ، رضي الله عنه، لما جرد الكلام في أصول الفقه احتج بهذه الآية على الإجماع. كما كان يسمع هو وغيره من مالك.

ذكر ذلك عن عمر بن عبد العزيز. والآية دلت على أن متبع غير سبيل المؤمنين، مستحق للوعيد كما أن مشاقّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى، مستحق للوعيد.

ومعلوم أن هذا الوصف يوجب الوعيد بمجرده. فلو لم يكن الوصف الآخر يدخل في ذلك لكان لا فائدة في ذكره. وهنا للناس ثلاثة أقوال: قيل: اتباع غير سبيل المؤمنين هو بمجرده مخالفة الرسول المذكورة في الآية. وقيل بل مخالفة الرسول مستقلة بالذم. فكذلك اتباع غير سبيلهم مستقل بالذم. وقيل: بل اتباع غير سبيل المؤمنين يوجب الذم كما دلت عليه الآية. لكن هذا لا يقتضي مفارقته للأول بل قد يكون مستلزما له. فكل متابع غير سبيل المؤمنين هو في نفس الأمر مشاقّ للرسول.

وكذلك مشاق الرسول متبع غير سبيل المؤمنين. وهذا كما في طاعة الله والرسول.

فإن طاعة الله واجبة وطاعة الرسول واجبة. وكل واحد من معصية الله ومعصية الرسول موجب للذم. وهما متلازمان. فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله.

وفي الحديث الصحيح «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني.

ثم قال تقيّ الدين رحمه الله (بعد ثلاثة أوراق) : ومن الناس من يقول: إنها لا تدل على مورد النزاع. فإن الذم فيها لمن جمع الأمرين. وهذا لا نزاع فيه. أو لمن اتبع غير سبيل المؤمنين التي بها كانوا مؤمنين. وهي متابعة الرسول. وهذا لا نزاع


(١) أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١٠٩- باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به، حديث ١٤٠٩.
ومسلم في: الإمارة، حديث ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>