للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هالك.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلام نحو هذا. والحاصل أن الكتاب والسنة وافيان بجميع أمور الدين. وأما إجماع الأمة فهو في نفسه حق. لا تجتمع الأمة على ضلالة. وكذلك القياس الصحيح حق. فإن الله بعث رسله بالعدل وأنزل الميزان مع الكتاب. والميزان يتضمن العدل وما يعرف به العدل. وقد فسروا إنزال ذلك بأن ألهم العباد معرفة ذلك. والله ورسوله يسوي بين المتماثلين ويفرق بين المختلفين وهذا هو القياس الصحيح، وقد ضرب الله في القرآن من كل مثل. وبيّن بالقياس الصحيح وهي الأمثال المضروبة، ما بينه من الحق. لكن القياس الصحيح يطابق النص. فإن الميزان يطابق الكتاب. والله أمر نبيّه أن يحكم بالعدل. فهو أنزل الكتاب. وإنما أنزل الكتاب بالعدل. قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة: ٤٩] . وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة: ٤٢] .

وأما إجماع الأمة فهو حق. لا تجتمع الأمة، ولله الحمد، على ضلالة، كما وصفها الله بذلك في الكتاب والسنة. فقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: ١١٠] . وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر. فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك، ولم تنه عن المنكر فيه.

وقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: ١٤٣] . والوسط العدل الخيار وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول.

وقد ثبت في الصحيح «١»

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال: وجبت. ثم مرّ عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا. فقال: وجبت. قالوا: يا رسول الله! ما قولك وجبت؟ قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا. فقلت: وجبت لها الجنة. وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا.

فقلت: وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض.


والذي نفسي بيده! لتصبّنّ عليكم الدنيا صبّا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّا هيه. وأيم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» .
(١)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٨٥- باب ثناء الناس على الميت حديث ٧٢٣ ونصه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وجبت» . ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرّا. فقال «وجبت» . فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ قال «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض» .
وأخرجه مسلم في: الجنائز، حديث ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>