للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قال ذلك لأن المضاربة كانت معروفة بينهم. والعهد بالرسول قريب. لم يحدث بعده. فعلم أنها كانت معروفة بينهم على عهد الرسول. كما كانت الفلاحة وغيرها من الصناعات كالخياطة والخرازة. وعلى هذا فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص. لكن كان النص عند غيرهم. وابن جرير وطائفة يقولون: لا ينعقد الإجماع إلا من نص نقلوه عن الرسول. مع قولهم بصحة القياس. ونحن لا نشترط أن يكونوا كلهم علموا النص فنقلوه بالمعنى، كما نقل الأخبار، ولكن استقرينا موارد الإجماع فوجدنا كلها منصوصة. وكثر من العلماء لم يعلم النص وقد وافق الجماعة. كما أنه قد يحتج بقياس، وفيها إجماع لم يعلمه فيوافق الإجماع. كما يكون في المسألة نص خاص وقد استدل فيها بعموم. كاستدلال ابن مسعود وغيره بقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: ٤] . وقال ابن مسعود «١» : سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى. أي: بعد البقرة. وقوله: أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، يقتضي انحصار الأجل في ذلك. فلو أوجب عليها أن تعتد بأبعد الأجلين لم يكن أجلها أن تضع حملها. وعليّ وابن عباس وغيرهما أدخلوها في عموم الآيتين. وجاء النص الخاص في قصة «٢» سبيعة الأسلمية بما يوافق قول ابن مسعود. وكذلك. لما تنازعوا في المفوضة إذا مات زوجها هل لها مهر المثل، أفتى


(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٦٥- سورة الطلاق، ٢- باب وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً، وَأُولاتُ الْأَحْمالِ، حديث ٢٠٦١ ونصه:
عن أيوب عن محمد قال: كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى. وكان أصحابه يعظمونه. فذكر آخر الأجلين. فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث، عن عبد الله بن عتبة. قال فضمّز لي بعض أصحابه. قال محمد: ففطنت له. فقلت: إني إذا لجريء إن كذبت على عبد الله ابن عتبة، وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكن عمّه لم يقل ذلك. فلقيت أبا عطية مالك بن عمر. فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة. فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال:
كنا عند عبد الله فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
(٢)
أخرجها البخاريّ في: التفسير، ٦٥- سورة الطلاق، ٢- باب وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً، وَأُولاتُ الْأَحْمالِ، حديث ٢٠٦١.
عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس؟ وأبو هريرة جالس عنده. فقال:
أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة. فقال ابن عباس: آخر الأجلين. قلت أنا: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (يعني: أبا سلمة) فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها.
فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى. فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت.
فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو السنابل فيمن خطبها
.

<<  <  ج: ص:  >  >>