في كونهم مفتخرين به. وإذا ثبت هذا لزم أن يكون شرع محمد مقبولا عند الكل وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا أي: صفيّا خالص المحبة له. وإظهاره، عليه السلام، في موضع الإضمار، لتفخيم شأنه والتنصيص على أنه الممدوح. وسر هذه الجملة الترغيب في اتباع ملته عليه الصلاة والسلام. فإن من بلغ من الزلفى عند الله تعالى مبلغا مصححا لتسميته خليلا، حقيق بأن يكون اتّباع طريقته أهم ما يمتد إليه أعناق الهمم، وأشرف ما يرمق نحوه أحداق الأمم. فإن درجة الخلة أرفع مقامات المحبة.
وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه. كما صفه به في قوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم: ٣٧] قال كثير من علماء السلف: أي: قام بجميع ما أمر به، وفي كل مقام من مقامات العبادة. فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير. ولا كبير عن صغير. وقال تعالى وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ... [البقرة: ١٢٤] الآية. وقال تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ...
[النحل: ١٢٠] الآية. والخليل، لغة، الصديق المختص. وقال ابن الأعرابيّ: الخليل الصادق. وقال الزجاج: هو المحب الذي لا خلل في محبته. وبه فسر الآية. أي:
أحبه محبة تامة لا خلل فيها. وقال ابن دريد: الخليل من أصفى المودة وأصحّها.
قال: ولا أزيد فيه شيئا لأنها في القرآن. انتهى.
قال الرازيّ: ذكروا في اشتقاق الخليل وجوها: منها أن خليل الإنسان هو الذي يدخل في خلال أموره وأسراره. والذي دخل حبه في خلال أجزاء قلبه. ولا شك أن ذلك هو الغاية في المحبة. قيل: لما أطلع الله إبراهيم عليه السلام على الملكوت الأعلى والأسفل، ودعا القوم مرة بعد أخرى إلى توحيد الله، ومنعهم عن عبادة النجم والقمر والشمس، ومنعهم عن عبادة الأوثان، ثم سلّم للنيران، وولده للقربان، وماله للضيفان، جعله الله إماما للخلق ورسولا إليهم، وبشره بأن الملك والنبوة في ذريته.
فلهذه الاختصاصات سماه خليلا، لأن محبة الله لعبده عبارة عن إرادته لإيصال الخيرات والمنافع إليه. انتهى.
وقوله:(لأن محبة الله لعبده إلخ منزع كلاميّ لا سلفيّ) .
ثم قال الرازيّ: وعندي وجه آخر. وهو أن جوهر الروح، إذا كان مضيئا مشرقا علويا قليل التعلق بالذات الجسمانية والأحوال الجسدانية، ثم انضاف إلى مثل هذا الجوهر المقدس الشريف، أعمال تزيده صقالة عن الكدورات الجسماني، أفكار تزيده استنارة بالمعارف القدسية والجلايا الإلهية، صار مثل هذا الإنسان متوغلا في عالم القدس والطهارة، متبرئا عن علائق الجسم والحسّ. ثم لا يزال هذا الإنسان