للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتزايد في هذه الأحوال الشريفة إلى أن يصير بحيث لا يرى إلا الله، ولا يسمع إلا الله، ولا يتحرك إلا بالله، ولا يسكن إلا بالله، ولا يمشي إلا بالله فكأن نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية. وتخلل فيها وغاص في جواهرها. وتوغل في ماهياتها. فمثل هذا الإنسان هو الموصوف، حقا، بأنه خليل. لما أنه تخللت محبة الله في جميع قواه. وإليه الإشارة

بقول «١» النبيّ صلى الله عليه وسلم، في دعائه: اللهم! اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وفي عصبي نورا

. انتهى.

قال الإمام العلامة شمس الدين بن القيّم في كتابه (الجواب الكافي) : الخلة تتضمن كمال المحبة ونهايتها. بحيث لا يبقى في القلب سعة لغير محبوبه. وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما. وهذا المنصب خاصة للخليلين صلوات الله وسلامه عليهما: إبراهيم ومحمد. كما

قال صلى الله عليه وسلم: إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا.

وفي الصحيح «٢» عنه صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ولكن صاحبكم خليل الله.

وفي حديث «٣» آخر: إني أبرأ إلى كل خليل من خلته.

ولما سأل إبراهيم عليه السلام الولد، فأعطيه، فتعلق حبه بقلبه، فأخذ منه شعبة، غار الحبيب على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره. فأمر بذبحه. وكان الأمر في المنام ليكون تنفيذ المأمور به أعظم ابتلاء وامتحانا. ولم يكن


(١)
أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث ١٨١ ونصه: عن ابن عباس قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة. فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم من الليل. فأتى حاجته. ثم غسل وجهه ويديه. ثم نام. ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها (الشناق هو الخيط الذي تربط به في الوتد. وقيل: هو الوكاء) ثم توضأ وضوءا بين الوضوءين. ولم يكثر. وقد أبلغ. ثم قام فصلى فقمت فتمطيت كراهة أن يرى أني كنت أنتبه له. فتوضأت. فقام فصلى. فقمت عن يساره. فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه.
فتتامّت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة. ثم اضطجع. فنام حتى نفخ. وكان إذا نام نفخ. فأتاه بلال فآذنه بالصلاة. فقام فصلى ولم يتوضأ. وكان في دعائه «اللهم! اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وعظّم لي نورا»
. (٢)
أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ٥- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لو كنت خليلا، حديث ٣١٢ ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر. ولكن أخي وصاحبي» .
وفيه أيضا عنه، قال: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل» .
(٣)
أخرجه ابن ماجة في المقدمة، ١١- باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث ٩٣، ونصه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته. ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. إن صاحبكم خليل الله»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>