المقصود ذبح الولد. ولكن المقصود ذبحه من قلبه. ليخلص القلب للرب. فلما بادر الخليل عليه الصلاة والسلام إلى الامتثال، وقدم محبة الله على محبة ولده، حصل المقصود. فرفع الذبح وفدي بذبح عظيم. فإن الرب تعالى ما أمر بشيء ثم أبطله رأسا. بل لا بد أن يبقى بعضه أو بدله. كما أبقى شريعة الفداء. وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة. وكما أبقى الخمس الصلوات بعد رفع الخمسين، وأبقى ثوابها. وقال: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: ٢٩] . هي خمس في الفعل وخمسون في الأجر. ثم قال ابن القيّم قدس سره: وأما ما يظنه بعض الظانين أن المحبة أكمل من الخلة، وأن إبراهيم خليل الله ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله، فمن جهله. فإن المحبة عامة والخلة خاصة. والخلة نهاية المحبة. وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الله اتخذ إبراهيم خليلا. ونفى أن يكون له خليل غير ربه. مع إخباره بحبه لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم. وأيضا فإن الله سبحانه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [البقرة: ٢٢٢] ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: ٢٢٢] ، ويُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: ١٤٦] ، ويُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: ١٩٥] ، ويُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: ٧٦] ، ويُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٨] . وخلته خاصة بالخليلين عليهما الصلاة والسلام. والشاب التائب حبيب الله. وإنما هذا عن قلة العلم والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقد تمسك من زعم أن المحبة أصفى من الخلة بما
رواه ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه.
فخرج، حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون. فسمع حديثهم. وإذا بعضهم يقول:
عجبا إن الله اتخذ من خلقه خليلا. فإبراهيم خليله. وقال آخر: ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما. وقال الآخر: فعيسى روح الله وكلمته. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وتعجبكم. أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك. وموسى كليمه. وعيسى روحه وكلمته. وآدم اصطفاه الله.
وهو كذلك. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإني حبيب الله. ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر. وأنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح الله لي ويدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر. وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر.
قال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها. انتهى.