للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى للترغيب في المصالحة. والثانية لتمهيد العذر في المشاحة وللحث على الصلح. فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبليّة بغير استمالة، مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته. وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قبلها بشيء يسير، ولا يكلفها بذل الكثير، فيتحقق بذلك الصلح وَإِنْ تُحْسِنُوا في العشرة وَتَتَّقُوا النشوز والإعراض ونقص الحق فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من تحمل المشاق في ذلك خَبِيراً فيجازيكم ويثيبكم. قال أبو السعود: وفي خطاب الأزواج بطريق الالتفات، والتعبير عن رعاية حقوقهن بالإحسان، ولفظ (التقوى) المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه، وترتيب الوعد الكريم عليه- من لطف الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة، ما لا يخفى.

وما قدمنا في تفسير الآية هو زبدة ما نقل عن السلف، صحابة وتابعين في معناها.

قال ابن كثير: ولا أعلم في ذلك خلافا. وفي البخاريّ «١» عن عائشة، في هذه الآية قالت: الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها. يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حلّ. فنزلت هذه الآية.

وروى ابن أبي حاتم عن خالد ابن عرعرة قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسأله عن قول الله عز وجل: وَإِنِ امْرَأَةٌ ... الآية، قال عليّ: يكون الرجل عنده المرأة. فتنبو عينه عنها من دمامتها، أو كبرها، أو سوء خلقها، أو قذذها، فتكره فراقه. فإن وضعت له من مهرها شيئا، حلّ له. وإن جعلت له من أيامها، فلا حرج. وكذا رواه أبو داود الطيالسيّ «٢» وابن جرير

. وروى ابن جرير «٣» أيضا عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها. فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها. فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. وروى سعيد بن منصور عن


(١) أخرجه في: الطلاق، ٩٥- باب وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً، حديث ١٢٠٦ ونصه: عن عائشة رضي الله عنها: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.
قالت: هي المرأة تكون عند الرجل، لا يستكثر منها. فيريد طلاقها ويتزوج غيرها. تقول له:
أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري. فأنت في حل من النفقة عليّ والقسمة لي.
فذلك قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.
(٢) الأثر رقم ١٠٥٧٥.
(٣) الأثر رقم ١٠٥٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>