أرسلوا شرطا ليقبضوا على المسيح (يعني ليقتلوه كما قال مفسروهم) قال أنا ماكث أيضا معكم زمانا. ثم أنطلق إلى من أرسلني وتطلبونني فلا تجدونني. وحيثما أكن فلا تستطيعون إليه سبيلا. قال اليهود في ذواتهم: فإلى أين؟ هذا عتيد أن ينطلق حتى لا نجده نحن، قال مفسروهم أي: يصعد إلى السماء. وغير ذلك مما لو أردنا ذكره والتنقير عنه لطال البحث.
ثم نقل خير الدين نحوا مما أسلفناه عن أناجيلهم وقال بعض ذلك: فأجل في تناقضها قداح فكرك. وفي تهافتها خيول ذهنك. لترى في هذه القصة ما يدلك على وقوع الشبه ونجاة المسيح عقلا ونقلا. كما قال تعالى: وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.
وليتبين لك عبوديته ورسالته عليه السلام. فإن ذلك ظاهر من العبارات. ولنزدك في البيان وضوحا بما ننبهك عليه بكلمات يسيرة مقدوحا ومشروحا.
منها: قولهم إنه صلب قبل غروب يوم الجمعة ودفن مساءها. ولما جاءت النسوة عشية السبت المفسر صباحه عن الأحد، وجدنه فارغا، وقد قام منه المدفون.
مع أن النصارى يزعمون، كما في أناجيلهم، أنه يبقى في قبره ثلاثة أيام. كما بقي يونان، أي: يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بلياليها، فما هذا إلا دليل على الاختلاف والتهافت في هذا الأمر.
ومنها: سؤالة اليهود مرتين من تطلبون؟ وهم يقولون: يسوع الناصريّ. فلم يعرفوه وهو يقول لهم: أنا.
ومنها: أن يهوذا ارتشى ليدلهم عليه. وجعل العلامة على تعيينه لهم تقبيل يده. فلو كان معلوما لهم لعرفوه بلا دلالة وبلا سؤال. مع أنه كان بين أظهرهم وفي غالب الأيام في هيكلهم.
ومنها: أنه لما أقسم عليه رئيس الكهنة أنه هو المسيح لم يقل له: أنا المسيح. بل قال له: أنت قلت.
ومنها: إنكار بطرس له وهو من أعظم رسله. وإنكاره كفر.
ومنها: أنه لما سأله الوالي: أنت هو؟ لم يردّ له جوابا. فلو كان هو لاعترف وأقرّ.
ومنها: أنه لما كان أخذه ليلا، وقد شوهت صورته وتغيرت محاسنه بالضرب والنكال، فهي حالة توجب اللبس بين الشيء وخلافه. فكيف بين الشيء وشبهه؟