فمن أين يحصل القطع بأنه هو؟ لا سيما والنصارى قد حكموا أن المسيح عليه السلام قد أعطي قوة التحوّل من صورة إلى صورة. ويحتمل أن المسيح ذهب في الجماعة الذين أطلقهم الأعوان، وكان المتكلم معهم تلميذ أراد أن يبيع نفسه من الله تعالى وقاية للمسيح. فألقى الله تعالى عليه الشبه. وأتباع الأنبياء يفدون أنفسهم لأنبيائهم. وهذا فدى نفسه لإلهه، بزعم النصارى.
ومنها: أنه يحتمل أن الأعوان ارتشوا على إطلاقه كما ارتشى يهوذا على الدلالة عليه. وأخذوا غيره ممن يريد أن يفدي نفسه للمسيح. والدليل عليه عدم اعترافه بأنه المسيح.
ومنها: قوله عليه السلام الذي تقدم آنفا: أنا ماكث معكم زمانا. ثم أنطلق إلى من أرسلني. فتطلبوني فلا تجدوني. وحيثما أكن فلا تستطيعون إليّ سبيلا، فهذا صريح في الثاني عشر من (إنجيل يوحنا) ما لفظه: قال له الجموع: نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يمكث إلى الأبد. فكيف تقول أنت أن ابن البشر سوف يرتفع.
من هو هذا ابن البشر؟ قال لهم يسوع: إن النور معكم زمانا آخر يسيرا. امشوا ما دام لكم النور. لئلا يدرككم الظلام. ومن يمش في الظلام فلا يدري أين يذهب. آمنوا بالنور ما دام لكم النور. قال يسوع هذا وذهب متواريا عنهم. انتهى.
ففي هذا الكلام أدلة كثيرة مؤيدة لقوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء: ١٥٨] .
منها: أن اليهود قالوا لعيسى: إن المسيح المذكور في العهد القديم يمكث إلى الأبد.
أي: فإن كنت أنت المسيح فأنت لا تموت في هذا الزمان. بل تبقى إلى قيام الساعة. ولم يكذبهم في نقلهم ذلك. والمسلمون يقولون: إنه رفع حيّا إلى السماء وهو الآن حيّ فيها. وسينزل آخر الزمان عند قرب الساعة. ويقتل الدجال ويحكم بالشريعة المحمدية. ويتوفى ويدفن عند النبيّ صلى الله عليه وسلم. فهو حيّ إلى الأبد، يعني إلى قرب قيام الساعة ونزوله وموته من أمارات الساعة الكبرى. وفي هذا القول دلالات ظاهرات أيضا على أنه ليس بإله: أحدها- أنه قال: ابن البشر. يعني لا تظنوا أني أدعي الألوهية وإن أحييت الموتى. لأن ذلك معجزة خلقها الله تعالى على يده للإيمان بنبوّته.
ثانيها: لو كان إلها لما توارى منهم خائفا من قتلهم له. لأن الإله هو خالق لهم ولعملهم. وعالم بزمن قدرتهم عليه. فكيف يفرّ وهو يعلم وقت موته؟ وهو خالق