للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسوا متفقين على صلب المسيح. ولم يشهد أحد منهم صلبه. فإن الذي صلب إنما صلبه اليهود. ولم يكن أحد من أصحاب المسيح حاضرا. وأولئك اليهود الذين صلبوه قد اشتبه عليهم المصلوب بالمسيح. وقد قيل إنهم عرفوا أنه ليس هو المسيح. ولكن هم كذبوا وشبهوا على الناس. والأول هو المشهور وعليه جمهور الناس. وحينئذ فليس عند النصارى خبر عمن يصدقونه بأنه صلب. لكن عمدتهم على ذلك، الشخص الذي جاء الشيطان بعد أيام وقال. أنا المسيح. وذاك شيطان.

وهم يعترفون بأن الشياطين كثيرا ما تجيء ويدّعي (كذا) إنه نبيّ أو صالح. ويقول.

أنا فلان النبيّ والصالح. ويكون شيطانا. وفي ذلك حكايات متعددة مثل حكاية الراهب الذي جاءه جاء وقال: أنا المسيح. جئت لأهديك. فعرف أنه الشيطان.

فقال. أنت قد بلغت الرّسالة ونحن نعمل بها. فإن جئت اليوم بشيء يخالف ذلك لم نقبل منك. فليس عند النصارى واليهود علم بأن المسيح صلب. كما قال تعالى:

وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء:

١٥٧] . وأضاف الخبر عن قتله، إلى اليهود بقوله: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ [النساء: ١٥٧] ، فإنهم بهذا الكلام يستحقون العقوبة. إذ كانوا يعتقدون جواز قتل المسيح. ومن جوز قتله فهو كمن قتله. فهم في هذا القول كاذبون. وهم آثمون. وإذا قالوه فخرا لم يحصل لهم الفخر. لأنهم لم يقتلوه. وحصل الوزر لاستحلالهم ذلك وسعيهم فيه.

وقد قال النبيّ «١» صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: يا رسول! فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه.

وقوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ: قيل هم اليهود والنصارى.

والآية تعم الطائفتين. وقوله: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ. من قتله. وقيل: منه، أي: في شك منه. هل صلب أم لا؟ كما اختلفوا فيه. فقالت اليهود: هو ساحر. وقالت النصارى:

إنه إله. فاليهود والنصارى اختلفوا هل صلب أم لا؟ وهم في شك من ذلك ما لهم به من علم. فإذا كان هذا في الصلب فكيف في الذي جاء بعد الرفع وقال إنه هو المسيح؟


(١)
أخرجه البخاريّ في: الإيمان، ٢٢- باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفّر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، حديث ٢٩ ونصه: عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل. فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر هذا الرجل. قال: ارجع. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار» فقلت: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>