الناس يقولون ذلك. القرآن الذي أنزله الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم. وهو كلام الله لا كلام غيره. وإن تلاه العباد وبلّغوه بحركاتهم وأصواتهم. فإن الكلام لمن قاله مبتدئا، لا لمن قاله مبلغا مؤديا. قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: ٦] . وهذا القرآن في المصاحف كما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج: ٢١- ٢٢] . وقال تعالى: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة: ٢- ٣] . وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ [الواقعة:
٧٧- ٧٨] . والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه. كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله. وإعراب الحروف هو من تمام الحروف. كما
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات
. وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: حفظ إعراب القرآن أحبّ إلينا من حفظ بعض حروفه.
ثم قال رحمه الله: والتصديق بما
ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أن الله يتكلم بصوت
وينادي آدم عليه السلام بصوت، إلى أمثال ذلك من الأحاديث. فهذه الجملة كان عليها سلف الأمة وأئمة السنة. وقال أئمة السنة: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، حيث تلي، وحيث كتب. فلا يقال لتلاوة العبد بالقرآن إنها مخلوقة. لأن ذلك يدخل فيه القرآن المنزل. ولا يقال غير مخلوقة، لأن ذلك يدخل فيه أفعال العباد. ولم يقل قط أحد من أئمة السلف: إن أصوات العباد بالقرآن قديمة. بل أنكروا على من قال (لفظ العبد بالقرآن غير مخلوق) وأما من قال: إن المداد قديم- فهذا من أجهل الناس وأبعدهم عن السنة. قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف: ١٠٩] ، فأخبر أن المداد يكتب به كلماته. وكذلك من قال (ليس القرآن في المصحف. وإنما في المصحف مداد وورق وحكاية وعبارة) فهو مبتدع ضال. بل القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين. والكلام في المصحف على الوجه الذي يعرفه الناس، له خاصة يمتاز بها عن سائر الأشياء. وكذلك من زاد على السنة فقال: إن ألفاظ العباد وأصواتهم قديمة، مبتدع ضال. كمن قال: إن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت- فإنه أيضا مبتدع منكر للسنة. وكذلك من زاد وقال: إن المداد قديم- فهو ضال. كمن قال: ليس في المصاحف كلام الله. وأما من زاد على ذلك من الجهال الذين يقولون: إن الورق والجلد والوتد وقطعة من الحائط، كلام الله- فهو بمنزلة من يقول: ما تكلم الله بالقرآن ولا هو كلامه. هذا الغلو من جانب الإثبات يقابل